عبد الجواد شبانة
حكم فرعون شعب مصر ، وقام نظام حكمه على استخفاف الشعب ، فانقادت له الأغلبية ، يقول القرآن ( فاستخف قومه فأطاعوه ) ، أما المعارضة التى قامت عقيدتها على افراد الله بالربوبية والحاكمية والعبودية المطلقة ، فقد تصدى لها بكل قسوة ، يقول القرآن ( قال سنقتل أبناءهم ، ونستحيى نساءهم ، وإنا فوقهم قاهرون ) وغنى عن البيان ان تحقيق ذلك الرعب يستلزم قوانين استثنائية ومحاكم غير طبيعية واجهزة قمعية ( إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين).
أراد الله أن ينقذ المصريين – أغلبية ومعارضة – من ظلم فرعون ، وماأرتكبه نظام حكمه من افساد فى الأرض ، فأرسل اليه موسى ، ليطالبه بالحرية للجميع ، يقول القرآن ( أن أرسل معنا بنى اسرائيل ولاتعذبهم).
التفت الاغلبية حول فرعون ، وظاهرته فيما يفعل ، لأن نظام حكمه استخف عقول أهلها ، حتى لما قام موسى بمواجهة نظام فرعون فى واقعة السحر ، من أجل أن يخلصهم من قهره ، قالت الأغلبية ( لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين ) ولم يقولوا نتبع الحق او الهدى ان كان اهله هم الغالبين.
فلما استنفذ موسى وسائله ، ووصل الى نهاية العطاء ، وأبى فرعون ، وظاهرته الأغلبية ، جرت عليهم سنة الله ، فأخذهم كما قال القران ( بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون ) وكان ذلك فى انفسهم واموالهم فأرسل عليهم ( الجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات ) .
( فإذا جاءتهم الحسنة ) بعد الضراء ، قالت الأغلبية ( لنا هذه ) أى نسبوها الى مهارتهم ، وقدرتهم ، رغم أنها من الله ، كما قال كبيرهم ( انما أوتيته على علم عندى ) ( وإن تصبهم سيئة ) فى احوالهم واوضاعهم ونظام معاشهم ( يطيروا بموسى ومن معه ) أى يتشاءمون بموسى ومن معه من المؤمنين ، ولايتشاءمون من الذى أفسد حياتهم من قبل حتى وصلت الى ماوصلت اليه من التردى ، ، وذلك دليلا على السطحية وماوصلت اليه عقولهم من خفة ، فلم تفطن تلك العقول إلى أن ومؤازرتهم للباطل سنين طويلة ، وسكوتهم على جرائمه فى حقهم وحق من يقومون له بالحجة هى السبب فيما يحيق بهم من مصائب ، فيعلق القرآن على تشاؤمهم فيقول ( ألا إن طائرهم عند الله ) أى هم فى الحقيقة يتشاءمون من المنهج الذى اوحاه الله الى موسى ، وتشاؤمهم فى الأصل ليس من موسى ولكنه فى الحقيقة تشاؤم من الله ، غير أنهم لايرون الله ، فيرسلون صيحات التشاؤم الى موسى ومن معه .
هذا الذى كان بالأمس ، هو الذى يتكرر اليوم ، فالتاريخ يعيد نفسه ، وحركة الشعوب هى هى ، اليوم كلما قطعت الكهرباء او ندر وجود الوقود بين أيدى الناس ، تعالت صيحات التبرم من البعض للرئيس والذين معه ( جماعته وعشيرته ) كما يقولون ، ينسبون تردى الأوضاع اليه ، ويجعلونه المتسبب عنها ، وتناسى هذا البعض – لخفة فى العقول ترسخت عبر أزمنة طويلة – أنهم والرئيس والحكومة يواجهون نتائج أغاليط الماضى ، يواجهون حالة متردية من الامكانات ، سكتوا عليها سنين طويلة ، حتى تفاقمت أثارها ، وعمت أوضارها ، فلم يجد الشعب مفرا من مواجهتها والابقاء على القليل منها إلا القيام بثورة يستشهد فيها قرابة الألف ، ويجرح فيها ويصاب بالعاهات قرابة ذلك العدد .
تناسى المتبرمون المتشائمون أن دولتهم بعد الثورة قد هبط مقدار احتياطيها من النقد الأجنبى عشرين مليار دولار فى سنة ونصف ابان حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة ، فلم يتبق منه عند استلام الرئيس المنتخب الحكم سوى 13 مليار دولار ، وكان لذلك الهبوط أثره المباشر على توفير العملة الصعبة التى تشترى بها الدولة متطلباتها من الوقود وسد ماتعجز عن انتاجه من احتياجات الشعب .
تناسى المتبرمون المتشائمون أن دولتهم خلال العام الحالى 2012/2013 تعمل بموازنة بلغ حجم العجز فيها 40 % مما مفاده ، أن كل مواطن خلال تلك السنة سوف يحصل على 60 % وليس 100 % من الخدمات التى تؤديها له الدولة ، ومن ثم فظهور الأزمات بين الحين والآخر شىء طبيعى فى تلك المرحلة الانتقالية ، ونحمد الله أن ظهورها عرضى وليس دائم ، وأنها أن ظلت أيام قليلة فإن الأيام الكثيرة تخلو منها .
تناسى المتبرمون المتشائمون أن دولتهم تعمل فى مرحلة مابعد الثورة ، التى تعمل فيها الثورة المضادة بكل شراسه ، وقد انحازت اليها المعارضة التى لاتتفق مع حزب الرئيس فى المرجعية الاسلامية ، فخلقت مناخ المولوتوف ، والقتل ، والتواجد الدائم فى الشوارع والميادين ، مما خحلق مناخا يعيق الاستثمار ، ويطرد رأس المال ، فتظل حالة الركود الاقتصادى كما هى وكأن شيئا لم يتغير .
تناسى المتبرمون المتشائمون أن دولتهم تعمل بغير مؤسسات ، كلما وجدت مؤسسة قام القضاء بحلها ، وهلل له انصار النظام البائد الذى قام عليه الشعب بالثورة ، واحتضنه ، وماأرجل المعارضة من التهليل والتكبير والتحميد لحل مؤسسات دولتهم ببعيد ، وكان لذلك أثره على تأخر مناخ الاستثمار وتحقيق النهضة .
تناسى المتبرمون المتشائمون أن تلك الأزمات لم تكن إلا نتاجا مباشرا لسكوتهم عقودا طويلة ، وانكفائهم على ذواتهم أزمنة مديدة ، ترعرت فيها الرشى ، وتعمقت فيها جذور الفساد ، وسرقت خلالها أموالهم ، ونهبت أثناءها ثرواتهم ، وباتوا لايجدون إلا الفتات ليقتاتوا منه ، واتناسوا أن شهور قليلة لاتكفى لتدارك غفلة عقود طويلة ، فراحوا يتبرمون ، ويتشاءمون ، وللماضى يحنون ، ولرجاله فى الاعلام يسمعون ، وفى صحفهم يقرأون ، وبدعوتهم يتأثرون ، وينادى بعضهم ولايوم من أيامك يامبارك ، كأنهم ببغاوات يرددون أقاويل قوم ضلوا وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل حتى قامت عليهم ثورة الشعب.
ماذا فعل المتشائمون من أجل المساهمة في نهضة مصر؟
ماذا فعل المتشائمون تجاه حركات الاضراب الفئوي؟
ماذا فعل المتشائمون تجاه حوادث قطع الطرق؟
ماذا فعل المتشائمون تجاه حوادث القتل وتخريب وحرق الممتلكات؟
ماذا فعل المتشائمون تجاه قنوات تزييف الوعى وتشويه الحقائق وبث الإفك وسب الشرفاء والخوض فى الأ‘راض وتنكب القيم المصرية الأصيلة ؟
ماذا فعل المتشائمون تجاه المرجفين فى مصر الذين يصبحونها ويمسونها على اوهام وترهات واباطيل تنال من ثوابتها وتهدم صرح حضارتها وتدوس قيم اهلها؟؟
ماذا فعل المتشائمون تجاه الفساد، وتجاه الذين يؤثرون المصالح الخاصة على المصالح العامة ؟
اليسوا عن فعل شىء لمقاومة تلك الأمراض ساكتين ، وفى المصائب ناشطين ، وفى الولولة قائمين ، وعن طريق العمل للبناء معرضين ، مكتفين من الوطنية بالاستفادة ، ومن البذل والعطاء بالبلادة ؟
( قل ياقوم اعملوا على مكانتكم إنى عامل فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم ) اللهم نجى مصر منه يا رب العالمين.

