وائل الحديني
بعيداً عن السخرية والتهكم ، يجب وحتماً ولابد أن تستفيد المعارضة من دروس الإخوان خاصة خلال العقدين الآخيريين فى التعامل مع الأوضاع القائمة بمجملها ـ مع التأكيدبالطبع على اختلاف الظرف والتوجه.
كان التوتر والاحتقان هو الحالة الغالبة فى علاقة الإخوان بالنظام الديكتاتوري الحاكم ، وغير ذلك يمثل الاستثناء.كانت هناك إشارات إلى أن حادث الزلزال الذي ضرب مصر عام 1992 كان نقطة تحول في علاقة نظام مبارك بالإخوان، مبارك الذي كان عائداً من الصين وجد حكومته القديمة بقدم المومياوات عاجزةً عن الحركة أمام هول الصدمة، بينما كانت الجمعيات التابعة للإخوان قد قامت بجهود إغاثية وأدارت الأزمة بمهنية واحتراف ، وتقدمت الجماعة خطوة إلى الأمام، في حين تراجعت الدولة خطوات إلى الخلف. تأكد للنظام بالدليل قوة الجماعة وأنها صارت أقرب لدولة موازية له، لكنها تفتقد لكل عيوب وترهلات الدولة التي يديرها هو.فلم يعد هناك آلية متاحة للتعامل بين الندين حينئذسوى اللجوء للقمع بأدوات السلطة.
طرح البعض حينها مبادرةً يُسمح للإخوان خلالها بالحركة الاجتماعية المنضبطة مقابل التوقف عن تعاطي السياسة؟ بما يمثل هدنة مؤقتة ومقننة ، وذلك للالتفاف على عمليات الحظر والتضييق الذي بلغ منتهاه بمحاكمات عسكرية وأحكاماً قاسية! لكن رفُض المبدأ و طرح سؤالاً : هل يمكن أن يوافق نظام يعيش أزمة، ويفتقد إلى الجماهيرية على منح خصمه فرصة للتعايش مع الجماهير وحل مشكلاتهم مع وعد من الخصم بألا يؤرق مضجعه إلا بعد فترة زمنية يتم التوافق عليها؟!
الآن الجماعة فى الحكم ضمناً ، وهي لا تعاني أزمة كبيرة.وتتمتع بظهير جماهيري مقبول ،وهي تدعوا خصومها مراراً إلى الإنخراط فى العمل السياسي والجماهيري ، والتعاون والتوافق فى بعض الاستحقاقات والتنافس فى سياقات آخرى، لكن من صنعوا من أنفسهم خصوماً يرفضون . لماذا ؟!
• ربما لانهم يفتقدون الجماهيرية بداية ًوليست لديهم نوايا على الحركة الإجتماعية لبناء جماهيرية حقيقية .
• لأن انفاسهم قصيرة ويعتقدون أن ظرف استنساخ تجربة الإخوان الناجحة فى المعارضة رغم التخلص من القيود الصارمة والخانقة للنظم يحتاج عقود.
• أنها معارضة افتراضية تؤثر الابتعاد عن قلب الواقع الصادم بمشكلاته واحتياجاته والتي لا يجيدون التعامل معها فيهربون إلى الهامش والأطراف.
• ربما ترتبط بدعم لوجستي خارجي من ناحية التوجيه والتخطيط ،ويستعجل الداعمون أو (هم) النتائج قبل نفاذ السيولة.
• يعانون انهزاماً داخلياً : بات لديهم قناعات أنهم غير قادرين على المنافسة (السوية).
• يرتبطون تاريخياُ بتجارب استندت على التغيير من خلال إشعال الحرائق ونشر الفوضى (مثل التجربة الشيوعية).
• ليسوا خليطاً منسجماً ولا يملكون فكراً متزناً ،أو سلوكيات جاذبة.
على المعارضة أن تتجاوز هذه المعوقات وتبدأ فى استثمار الفرصة وعامل الوقت وتنحاز للجماهير باستحقاقاتهم تتحدث بصوتهم وتعبر عن تطلعاتهم وتعارض باحتياجاتهم وتبني خلال ذلك طريقاً للصعود إلى السلطة عبر صناديق الانتخابات بالمفهوم الديمقراطي كطريق وحيد للتغيير.
كان مندوب البر فى الإخوان فى إحدى المناطق يتحرك وسط زخات المطر بعد يوم من انتخابات 2010 ويحمل (أظرفاً) تحتوى على مساعدات وإعانات شهرية للمعيلين والمحتاجين، نظر إليه كادر الوطني الذي ينفث دخان النرجيله وقال لزملائه بصدق : لم يتوقف هؤلاء عن أعمالهم رغم هزيمتهم وضياع مقعد البرلمان من نائبهم.
الشعب هو المستفيدمن التنافس الشريف بين السلطة والمعارضة ،وهو يدفع فاتورة التشنج وصناعة الأزمات.والأزمات لاتصنع استقراراً ولا تمنح سلطة لصناعها.والخيار شمشون سيكتوي بناره من لا يملك غيره.
_______________
كاتب وسياسي مصري

