وائل الحديني

تمثل جبهة الإنقاذ رأس حربه يصعب تجاوزها في المشهد السياسي المصري ، وهي مزيج  متنافر غير متجانس من بعض الأحزاب (المعطوبة) وفوضويون وملوثون من النظام المخلوع يريدون أن يتطهروا! ودمى إعلامية وأركان النظام المخلوع نفسه فيما يعرف بالدولة العميقة ، وأدوات  عنف وأجهزة تمويل وغالباً تخطيط .

إذا تجاوزنا التمويل في شقه الداخلي ـ بات معروفاً ـ والذي  تديره  شبكة من رجال الأعمال وأصحاب النفوذ، بأذرعها في الإعلام والاقتصاد والبنوك والبلطجة ، يبقى الجانب الأهم منه :   التمويل  الخارجي والذي يعد في السياسات الخارجية للدول المانحة بمثابة  أدوات ابتزاز وضغط لتنفيذ أجندات وتحقيق مصالح ، ويمر عبر جسور : مؤسسات وأفراد (يلاحظ أن دولاً تحمست لضخ الكثير من الأموال بشكل غير رسمي ، فيما كان الشح هو عنوان موقفها الرسمي) .

التخطيط الخارجي يبقى أيضاً عنواناً هاماً في المشهد في ظلل افتقاد النخبة الفقيرة فكرياً للرؤى والإستراتيجيات ، لذا تظل مجرد أدوات وظيفية تؤدي ما يملى عليها بحوافز التمويل و حلم السلطة .

البروفيسيور ماكس مانوارينج له بعض الأفكار البسيطة للغاية عن خطط إفشال الدول في الجيل الرابع للحروب :

لم تعد الحرب مجرد قوات نظامية ونيران ووهج وذخيرة وقوات تعبر الحدود واحتلال....هناك بديل أفضل : تمويل طابور خامس من مواطني الدولة (الضد) للإنهاك وزعزعة الاستقرار: تعطيل، تأزيم ،بث شائعات.. (حينما يحاول الناس البحث على وظائف سيكتشفون أن الإسلام ليس هو الحل)..وصولاً إلى الإفشال .

إظهار المعارض المتحفز الشرير الشخصية الرئيسية بديلاً عن البطل الضعيف المتردد .

جعل الدولة (الضد) تتآكل ببطء لكن بثبات حتى ترغمها على قبول إرادتك : إرادة المانحون!

تصبح هذه البدائل وجه آخر لمسمى الصدمة والرعب الذي استخدمته الولايات المتحدة على أعتاب بغداد في 2003 ، حينما وقف المار ينز المجهز بقوة نيران هائلة (مرتعداً) أمام جنود صدام المرضى بفقر الدم قبل أن تحسم المعركة عقدة الخوف والرغبة في التحرر في أي جهة .

يستمر إنزال الضربات ببطء وهدوء كامن (من ضمن ذلك محاولة الإيقاع بين الرئاسة والجيش بعد فشل محاولة استدعائه، والبكاء على وضع مزعوم لله ينال من كرامته ، دق إسفين بين القوى السياسية الداعمة للنظام وسحب الأضعف منها إلى خارج الحلقة ) .. ..... حتى يسقط عدوك (ومشروعه) ميتاً..(تصفيق حاد).

 هنا يمكن أن توضع معايير إيليوت  إبرامز فى الحكم موضع التنفيذ بعد صياغة الدولة (المتعاونة) .

هذا ليس السيناريو الأوحد(للمول) كما يظنه الأدوات.هناك سيناريو آخر : التضييق على المساعدات وعدم الاستجابة للمطالب والاحتياجات إلا بعد الالتزام بمجموعة من القواعد والفروض (ترويض).

ربما لا يبتغي الممول المخطط السقوط الدراماتيكي للنظام (فوراً) إلا بعد إفشاله في مرحلة زمنية ليست بالقصيرة ، يتم فيها تحقيق فراغ سياسي وإخراج البطل و تخليق البديل وصناعة هويته ليكون جاهزاً للمنافسة والتموضع داخل الساحة .

لكن أحدهم يظن أنه لا بديل عن السقوط الفوري ، والصبية المراهقون يعتقدون أن ضرب عشرات البلطجية الاتحادية بالمولوتوف سيدمر أسوار القصر ويسقط النظام ، وصحيفة الشروق وأخواتها يعتقدون أن تحريك هؤلاء نحو (القبه) سيجر المزيد من الإهانه على الساكن بهما.

يمكن القول أن الطرف الآخر غير غائب عن المشهد إطلاقاً ، وأنه يمارس عملية تفتيت الكتل السرطانية للمتآمرين ببطء ويناور لعزلهم جماهيرياً بعد أن يحرق أوراقهم بمهارة وحنكة .. وأنهم في لحظة ما سيختفون من المشهد كمقدمة للاستقرار .