محمد منصور

إن العالم ليفتح الطريق للمرء الذي يعرف إلى أين هو ذاهب؟؟

وقد كان من هؤلاء الإمام حسن البنا الذي اختار دربه بنفسه وسار فيه سراعاً؛ فصار نوراً و ناراً وغنوةً وعبيراً حتى قضى شهيداً مرحباً بالمنون بعدما لبى نداء الإسلام في عصره وواجه بجرأة و هو معتزٌ بدينه معتدٌ بشرف الانتساب إليه ، فخورٌ أيما فخر بما يحمله لا يرى فيه نقيصة إذ كان يحمل ضميراً حراً عزيزاً محترماً كدينه و عرضه لا يُساوم عليه و لا يُباع بأي ثمن و قد فضل الموت على كذبةٍ أو خيانةٍ يخلّص بها نفسه .
انطلق بدعوته بعدما علم أن الناس في حاجة إلى رجل ذي قلب يفيض من قلبه على قلوب من حوله و من هذا الفيض الرباني يفيضون هم على من حولهم و بهذا يتحولون من حال إلى حال و يخرجون من الظلمات إلى النور ؛ فجعل شعاره : سنقاتل الناس بالحب ؛ ليدركوا مَنْ هم ؟ و ماذا يريدون ؟ و من أين تكون البداية ؟
وقد كان ـ حقاً ـ ملهماً ؛ إذ بنور بصيرته كشف للناس معالم الطريق بعدما رأى الإنسانية معذبة شقية قلقة مضطربة و قد اكتوت بنيران المطامع و المادة فهي في أشد الحاجة إلى عذب من سؤر الإسلام الحنيف يغسل عنها أوضار الشقاء و يأخذ بها إلى السعادة .
فأفتى فتوى عصره بعد سقوط الخلافة و انفراط عقد المسلمين ، أن العمل الواجب الآن إعادة المشروع الإسلامي الذي نفذه محمد ـ صلى الله عليه و سلم ـ و أشرف عليه رب العزة بنفسه ؛ فكان حسن البنا صدى هذا المشروع في عصرنا ؛ فعمل على استكمال الباقي من الإسلام المعطل و دعم الموجود منه .
و ما حمله على هذا إلا رغبة أكيدة في توجيه الأمة توجيها صحيحا يقيمها على أفضل المسالك و يرسم لها خير المناهج و يقيها التزلزل و الاضطراب و يجنبها التجارب المؤلمة الطويلة و ذلك بالعودة إلى المعين الصافي معين الإسلام عن طريق إيجاد المفقود منه و دعم الممكن الموجود.
فقد كانت هذه خلاصة فكره و ثمرة تجاربه و اطلاعه على تجربة الإسلام النموذجية التي قام بها محمد ـ صلى الله عليه و سلم ـ وخلاصة قراءة تاريخ الدعوات و الثورات و نهضات الأمم و الاستفادة من مجهودات  و أفكار السابقين والمعاصرين له أمثال : جمال الدين الأفغاني و محمد عبده و رشيد رضا وعبد الرحمن الكواكبي وغيرهم المصلحين المخلصين.
و أجمل ما في الأستاذ البنا أنه تلافي ما وقع فيه السابقون و خرج منه بطريقة عملية لتنفيذ المشروع الإسلامي بأن:

1. يضع خطة مكتوبة شملتها رسالة التعاليم كي لا تضيع الفكرة و طريقة العمل من بعده مثلما حدث لمن سبقوه فيحتار الأتباع ماذا يفعلون من بعده ؟ و لكي يستكملوا البناء فيبدءون من حيث انتهي و هكذا من سيأتي بعدهم .
2. يربي رجالا يحملون هذا المنهج عن عقيدة و اقتناع و لأجل هذا ترك تأليف الكتب ليؤلف الرجال الذين يقذف بهم في كل بلدة فيحيونه ـ بإذن الله ـ بالقرآن .
ذلكم  الأستاذ حسن البنا الذي عرف طريقه حقا و حدد هدفه جيدا فاندفع إليه بكل ما أوتي من قوة فلم يخلق العداوات و استثمر كل خير في السامعين فكان نورا لنا و نارا على أعدائنا .
 رحمه الله و شكر له ؛ فقد كان الإسلام مفتاحه للقلوب فشاد به صرحا باقيا إلى الآن هو جماعة الإخوان المسلمين فكان حقا البنا حسن.