عزت النمر:

لا شك أن التجربة الاخوانية الوليدة للحكم في مصر ستظل محفورة في التاريخ وستكون معلماً بارزا من معالمه ودرساً من دروسة. يستوي في ذلك سواء استمرت ونجحت كما هو الحال في التجربة الاردوغانية في تركيا أو حتى تعثرت كما في النموذج التركي الاربكاني.

في حالة الاستمرار والنجاح فإنها ستكون مؤهلة بامتياز لتغير معالم المنطقة ولتضع بصمة بارزة على الخريطة الاقليمية والدولية, وبالطبع ستكون ام الدنيا هي صاحبة الفرح والأسعد حظاً بهذا النجاح الذي نتمناه.

في حالة التعثر ـ وهو وارد لا قدر الله ـ فان تلك التجربة ستكون ارثاً غنيا للحركة الاسلامية وارهاصاً قوياً بين يدي كَّرة أخرى تحقق ما تصبو اليه وتقيم الدولة وتحقق النهضة, بل وتذهب فيما تطلبه الحركة الاسلامية أبعد مما تخطط له في مرحلتها الحالية.

الناظر الى التاريخ التركي الحديث لا يمكنه إلا أن يقف تقديراً وعرفاناً للرجل الكبير البروفسير نجم الدين أربكان, لا أن يوجه له لوماً وعتاباً أو مساءلة عن تعثر تجربته. بل يمكن القول أنه هو الأب الروحي بل والحقيقي لما تشهده تركيا الآن, وأن تجربته ـ رغم تعثرها ـ تعد المرشد الأكبر والمؤسس الحقيقي والزارع الفذ لم تحصده تركيا اليوم على يد أردوغان وحركته.

على المستوى الشخصي سيذكر التاريخ بفخر أربكان كواحد من معالم الحركة الاسلامية وبطلاً من أبطالها ليس فقط في تركيا بل رمزا مؤثراً في تاريخ الحركة الاسلامية ومسيرتها في الحقبة الحالية والتاريخ المعاصر.

نقاط كثيرة وأسباب عدة تجعل النموذج التركي يعد النموذج المقارن والدليل لكل التجارب الاسلامية في الحكم خاصة فيما ظهر من الربيع العربي وما هو آت, خاصة إذا اعترفنا بأن قطار الربيع العربي لم يصل بعد الى محطته النهائية ولم ينتهي بعد من التطواف على دول أخرى قد تكون في انتظاره خاصة بعد نجاح الثورة السورية الوشيك.

نجاح أردوغان ورفاقه في تحقيق أهدافهم بطريقة التتابع وكذلك النقلة النوعية التي حققوها لتركيا في المجال الأهم وهو الاقتصاد يجعل من تجربتهم علامة بارزة وأمل تسعي لتطبيقه التجارب اللاحقة ورواد الاسلام السياسي ومؤيدوه.

لا شك أن التجربة الاخوانية في الحالة المصرية واجهت ـ ومازالت تواجه ـ صعوبات أشرس وتحديات أشد اذا ما قورنت بما واجهته النماذج التركية المختلفة.

تركيا السابقة كانت دوله ديمقراطية الى حد كبير وسمحت ديمقراطيتها ـ وإن كانت ملونة ـ لأحزاب الرفاة ثم العدالة والتنمية بالممارسة الكاملة واشترطت عليهم فقط الالتزام بلون ديموقراطيتها العلماني والكمالي, ذلك في الوقت الذي كانت مصر ترزح تحت استبداد شرس وطاغوت متوحش انتزع منه الاخوان قسراً شيئا من الممارسة ومارس فيه النظام أبشع صور الاقصاء والفرم والتشويه.

النظم العلمانية والقبضة العسكرية في تركيا لم تستطع أن تشوه وطنية الانسان التركي واعتزازه ببلده وتاريخه, أما نظام مبارك برع في وأد كرامة المواطن المصري وانتهاك وطنيته وتشويه انتمائه الوطني والفكري وتدمير ثقته في نفسه وتاريخه.

تركيا التي ورثها أردوغان في بواكير حكمه كانت دولة أفقرتها النظم العلمانية والعسكر لكنها كانت دولة كاملة الأوصاف, لها دستور احتاج الى تعديل ومؤسسات دستورية مستقرة, أما مرسي الذي وصل الى حكم مصر بعد ثورة رشيدة ومن خلال انتخابات عسيرة فإنه تحمل مسؤلية بلد افتقد في كثير من الاحيان مقومات الدولة العصرية بعد ما جَّرف النظام واتباعه وفترة حكم العسكر كل شيئ من ثروات واقتصاد ودستور ومؤسسات.

حقيقة مهمة جديرة بالتسجيل, هي أن الفترة منذ صعود التيار الاسلامي للحكم في مصر لا تجاوز أشهر قليلة يصعب معها الجزم أو حتى التنبؤ لطبيعة التجربة أو خاتمتها المتوقعة.

قد يقول قائل إن البطء والتردد في بعض القرارات خاصة من حكومة قنديل المحسوبة على الرئيس مرسي تشكك في جدية التجربة ومستقبلها المنظور, لكن بنظرة أعمق لقرارات الرئيس مرسي وجولاته الخارجية وتحركاته الدولية أثبت معها أنه رجل دولة يقود معركة سياسية واقتصادية وينتقل من انجاز لانجاز حتى لو لم يعترف بذلك خصومه.

حقيقة أخرى واضحة جلية هي خطوة اقالة المجلس العسكري وتجديد دماء الجيش المصري تعد ضربة معلم وانجاز سياسي غير مسبوق يحسب للرئيس مرسي ويدل على براعة سياسية وشجاعة مقاتل , استطاع من خلالها أن يختصر الزمن ويسجل أهدافاً في مرمى خصومه ويفوز بالجولة الأولى في مباراة متعددة الأشواط.

ثمة خطوة منتظرة هي الانتهاء من عقبة الدستور واستكمال مؤسسات الدولة بانتخاب البرلمان والمحليات القادمة, اذا تحققت فأنها قد تمهد الوضع في مصر لتحقيق طفرة علمية وادارية واقتصادية, وهذا لو تحقق فسوف يفتح الأبواب لانتصار ساحق لمرسي والتجربة الاخوانية,

وحينئذ يكون السؤال .. هل تتفوق التجربة الاخوانية على النموذج التركي ؟

وهل تظل كاريزما أردوغان ؟

أم تسطع على مرسي مزيد من أضواء الزعامة والإبهار ...