بينما تترقب مصر الافتتاح الكامل للمتحف المصري الكبير، الأضخم من نوعه عالميًا في عرض آثار حضارة واحدة، أطلقت الباحثة الأثرية د. مونيكا حنا نقاشًا مهمًا حول جدوى المتحف إذا ظل مغلقًا فعليًا أمام الجمهور المصري، لا بفعل الأبواب، بل بفعل غياب "الإتاحة".
وأثارت تدوينة مونيكا حنا قيام الباحثة الدكتورة جليلة القاضي بفرض نقاشاً حول فلسفة وأهداف المتحف المصري الكبير، أكبر مشروع ثقافي في تاريخ مصر الحديث. النقاش، الذي انطلق من منشور نشرته حنا على صفحتها الرسمية على فيسبوك، تناول مفهوم الإتاحة، ليس فقط بمعناها المادي والتنظيمي، بل بوصفها جوهر علاقة المصريين بتراثهم وتاريخهم. النقاش فتح الباب أمام تساؤلات عميقة عن هوية المتحف، لمن صُمم، ومن المستفيد الحقيقي من افتتاحه.
كما أن حديث حنا فتح الباب أمام نقاش أعمق: لمن أُقيم هذا الصرح؟ هل هو مجرد واجهة للسياحة والاستثمار، أم أنه مشروع ثقافي له دور في تشكيل الوجدان والذاكرة الجمعية للمصريين؟
"الإتاحة" كمفتاح: ما الذي يجعل المتحف حيًا؟
كتبت مونيكا حنا على صفحتها بفيسبوك: "المفتاح هو الإتاحة. دور المتحف المصري الكبير مش هيتحقق إلا لو بقى متاح (Accessible) بالمعنى الواسع للكلمة."
تُعرّف حنا "الإتاحة" هنا ليس فقط في البُعد المادي — كوجود ramps للكراسي المتحركة أو تقليل سعر التذكرة الذي وصفته بأنه "غالي جداً على أغلب الأسر المصرية"، بل تمتد لتشمل إتاحة المعرفة والخطاب نفسه.
فإذا ظلت لغة العرض داخل المتحف تقنية، نخبوية، أو موجهة فقط للسياح، سيظل المتحف مكانًا غريبًا عن أغلب المصريين، حتى لو كان مليئًا بآثار أجدادهم.
دعوة لإعادة التفكير: متحف للجميع لا للنخبة
مونيكا لم تكتف بالنقد، بل طرحت اقتراحًا مباشرًا: "أرجو أن عالأقل يتفتح مرة في الشهر بأسعار مخفضة للمصريين."
الاقتراح يعكس رغبة في إدماج المواطنين في الفضاء الثقافي الجديد، وجعل الزيارة حدثًا عائليًا ممكنًا لا رفاهية بعيدة.
لكن الأكثر أهمية في طرحها، هو ما دعت إليه بأن يكون المتحف جزءًا "حيًا ومفهومًا" من الحياة اليومية، وليس مجرد مَعلَم سياحي مهيب ومغلق.
"كل ما المتحف بقى جزء حي ومفهوم من حياتنا اليومية، كل ما بقى أقوى وقدر يلعب دوره كمساحة من الفراغ العام اللي بيشكل الذاكرة الجمعية والوجدان المصري."
جليلة القاضي ترد: "ده مش بتاعنا"
في تعليق لافت، ردت الباحثة المعمارية د. جليلة القاضي على منشور مونيكا حنا بعبارة صادمة للكثيرين: "يا مونيكا ده مش بتاعنا أساسًا، ده بتاع الناس بتوع برة ومش معمول عشانا خالص."
رد القاضي يُسلّط الضوء على إحساس شائع بأن هذا النوع من المشاريع "العملاقة" يُدار برؤية خارجية، موجّهة للسياحة والاستثمار فقط، بينما يتم تغييب الجمهور المحلي من الأولويات.
الرد يعكس شعورًا بالاغتراب الثقافي: كأن المتحف قد أُقيم فوق الأرض المصرية، لكن لا ينتمي فعليًا إلى سكانها.
متحف في مواجهة سؤال العدالة الثقافية
النقاش بين مونيكا حنا وجليلة القاضي يعيد إلى الواجهة مفهوم "العدالة الثقافية"، والذي لم يعد مجرد شعار، بل حق أصيل في الوصول إلى المعرفة، والتمثيل داخل المؤسسات الثقافية، والمشاركة في سرد التاريخ لا مجرد استهلاكه.
أن يكون المتحف ضخمًا وعصريًا أمر جيد، لكن ما لم يكن متاحًا بمعناه الأوسع — في اللغة، في السعر، في الرسالة — فإنه يتحول إلى رمز للفراغ لا الامتلاء.
https://www.facebook.com/monicahanna/posts/10100620971885506?ref=embed_post
هل نريد متحفًا يُحتفى به عالميًا، أم متحفًا يعيشه المصريون؟
المتحف المصري الكبير يمثل فرصة تاريخية لمصر، ليس فقط كواجهة سياحية، بل كمؤسسة تربط المصريين بماضيهم. لكن هذه الفرصة قد تضيع إذا غاب الحس المحلي والإنساني عن طريقة إدارته.
"الإتاحة" ليست مسألة شكلية، بل جوهرية. فإما أن يُعاد تعريف المشروع ليكون جزءًا من حياة الناس اليومية، أو أن يظل مجرد مبنى ضخم جديد... ولكن بلا جمهور.


 
						
											 
 
					     
 
					     
									 
									 
									