أعادت واقعة صادمة شهدتها محافظة المنيا فتح ملف حقوق عمال شركات قطاع الأعمال العام، بعد محاولة أحد عمال شركة مطاحن مصر الوسطى إنهاء حياته بإلقاء نفسه من أعلى الصوامع، في مشهد مأساوي عبّر – وفق منظمات حقوقية – عن حجم الضغوط والانتهاكات التي يتعرض لها العاملون داخل الشركة.
الواقعة، التي تم تداولها على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لم تكن حادثًا فرديًا معزولًا، بل جاءت – بحسب المفوضية المصرية للحقوق والحريات – كنتيجة مباشرة لتراكم طويل من السياسات والممارسات التي أهدرت حقوق العمال، وخلقت بيئة عمل غير آمنة وغير منصفة، دفعت أحدهم إلى الوصول إلى أقصى درجات اليأس.
https://www.facebook.com/reel/1180658650867005
إدانة حقوقية وتحذير من خطورة الأوضاع
في بيان شديد اللهجة، أدانت المفوضية المصرية للحقوق والحريات ما وصفته بـ«الانتهاكات المستمرة والمنهجية» بحق عمال شركة مطاحن مصر الوسطى، مؤكدة أن ما يحدث تجاوز حدود الخلافات الإدارية أو المالية المعتادة، ليصل إلى مستوى «بالغ الخطورة» يمس الحق في الحياة والكرامة الإنسانية.
وأوضحت المفوضية أن محاولة العامل إنهاء حياته وقعت أثناء مطالبته بحقوقه المالية، في دلالة واضحة على انسداد سبل الإنصاف، وغياب آليات فعالة للتظلم داخل الشركة، ما جعل العامل يشعر بالعجز الكامل أمام تجاهل مطالبه المشروعة.
شكاوى متراكمة وانتهاكات ممتدة
بحسب البيان، تلقت المفوضية خلال الفترة الماضية عددًا من الشكاوى والبلاغات من عمال بالشركة، كشفت عن نمط متكرر من الانتهاكات، في مقدمتها تعطيل صرف حقوق مالية مقررة، والإخلال بمبدأ الأجر العادل، بما انعكس بصورة مباشرة على الاستقرار المعيشي للعاملين وأسرهم.
ولم تقتصر الشكاوى على الجوانب المالية فقط، بل امتدت لتشمل تدهورًا خطيرًا في منظومة السلامة والصحة المهنية داخل مواقع العمل، مع تكرار إصابات العمل وحالات الوفاة، فضلًا عن تعطيل توثيق بعض الإصابات وحرمان مصابين من حقوقهم القانونية، وهي وقائع وصفتها المفوضية بأنها «تستوجب تحقيقًا عاجلًا ومساءلة حاسمة».
الحد الأدنى للأجور.. رقم بلا مضمون
وانتقدت المفوضية ما اعتبرته تحايلًا على قرارات الحد الأدنى للأجور، محذرة من تحويله إلى رقم شكلي يتم استكماله بعناصر متغيرة مثل الحوافز والبدلات، بما يفرغه من مضمونه الاجتماعي الحقيقي.
وأكد البيان أن هذا النهج يؤدي إلى إضعاف الأجر الأساسي، والإضرار بالحقوق التأمينية للعاملين، وتقليص أثر العلاوات والزيادات المستقبلية، الأمر الذي يتطلب – بحسب المفوضية – مراجعة عاجلة وشفافة لهياكل الأجور، وتسوية الحقوق المالية المتراكمة للعاملين دون تأخير.
مخالفة الدستور والمعايير الدولية
وشددت المفوضية على أن ما يجري داخل شركة مطاحن مصر الوسطى يمثل مساسًا صريحًا بعدد من الحقوق الأساسية، في مقدمتها الحق في أجر عادل، والحق في بيئة عمل آمنة، والحق في التظلم، مؤكدة أن هذه الممارسات تخالف أحكام الدستور المصري وقانون العمل، فضلًا عن التزامات الدولة المصرية بموجب الاتفاقيات والمعايير الدولية الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
مطالب عاجلة وخارطة طريق للحل
وفي ختام بيانها، طرحت المفوضية المصرية للحقوق والحريات حزمة من المطالب العاجلة، في مقدمتها:
تشكيل لجنة تحقيق مستقلة وشفافة تضم وزارة العمل والجهات الرقابية المختصة، لفحص شكاوى العمال وملف العلاوات منذ عام 2016 وحتى 2025.
ضم العلاوات والزيادات المتأخرة إلى الأجر الأساسي وصرف الفروق المالية المتجمدة بأثر رجعي، بعد الحصر والمراجعة.
إعادة هيكلة منظومة الأجور بما يضمن حدًا أدنى عادلًا وثابتًا للأجر الأساسي، ومنع استخدام الحوافز والبدلات للتحايل على قرارات الأجور.
الإلزام الفوري بتطبيق معايير السلامة والصحة المهنية داخل جميع مواقع العمل.
فتح تحقيق عاجل في وقائع إصابات العمل، مع توثيقها وعلاج المصابين وصرف مستحقاتهم كاملة.
ضمان حماية العمال من أي إجراءات انتقامية أو تعسفية بسبب تقديم الشكاوى أو المطالبة السلمية بحقوقهم.

