أشعل ظهور نجم ليفربول محمد صلاح في إعلان جديد لشركة "بيبسي" تحت شعار "يلا نرفع العلم"، وبرفقته أطفاله، موجة غضب عارمة على منصات التواصل الاجتماعي، بعدما اعتبره كثيرون تحديًا فجًّا لمشاعر الملايين المتضامنين مع غزة والمشاركين في حملات مقاطعة الشركات المرتبطة بالاحتلال. الإعلان الذي حاول تقديم مشهد عائلي دافئ، تحوّل في نظر قطاعات واسعة إلى لحظة انكشاف مؤلمة؛ نجم محبوب يختار أن يكون الوجه الإعلاني لإحدى أبرز الشركات المتهمة بدعم الاقتصاد الإسرائيلي، بدل أن ينحاز بوضوح لدماء الأطفال تحت القصف.
مراد علي: صلاح يطبع اللامبالاة ويصطف مع منطق الربح في زمن الإبادة
جاءت أبلغ صياغة للصدمة في تساؤلات الدكتور مراد علي، الذي أعاد تعريف السؤال من كونه خلافًا تجاريًا إلى كونه قضية وعي واصطفاف أخلاقي. كتب د. مراد علي:
«ما الذي يدفع ابننا محمد صلاح إلى الظهور في إعلانٍ لشركة بيبسي، المعروفة بمواقفها الداعمة لإسرائيل، في وقتٍ يمارس فيه الصهاينة إبادةً جماعية بحق أهلنا في غزة؟ فالمشاهير لا يتحركون في فراغ، وتأثيرهم يتجاوز حدود الاستهلاك إلى تشكيل الوعي الجمعي. وحين يُقدِم لاعب مثل محمد صلاح يحظى بمحبةٍ جارفة على خطوةٍ كهذه، فإنها تُقرأ – شاء أم أبى – بوصفها رسالة. وحين يبلغ الدخل السنوي لمحمد صلاح في عام 2025 نحو 55 مليون دولار (قرابة 2.6 مليار جنيه)، وتُقدَّر ثروته بعشرات المليارات، يظل السؤال : ما الذي يدفعه إلى تحدّي مشاعر جمهوره وأبناء أمته وهو في غنىً عن المال؟ هل هي رسالة لطمأنة للغرب أنه منفصل عن قضايا أمته؟ أم أننا أمام اتساع الفجوة بين النخبة والواجب الأخلاقي الجماعي؟ خطورة إعلان بيبسي مع محمد صلاح في تطبيع اللامبالاة، وتحويل جرائم إسرائيل إلى تفصيلٍ ثانوي أمام منطق الربح. والمطلوب مراجعة صادقة لدور الرموز والمشاهير: هل هم مجرد علامات تجارية، أم ضميرٌ حيّ يعكس آلام جماهيره وآمالهم؟ في زمن الإبادة، لا تكون الحيادية دائمًا موقفًا بريئًا، بل قد تتحوّل – من حيث لا نشعر – إلى اصطفافٍ مع أعداء الأمة.»
ما الذي يدفع ابننا محمد صلاح إلى الظهور في إعلانٍ لشركة بيبسي، المعروفة بمواقفها الداعمة لإسرائيل، في وقتٍ يمارس فيه الصهاينة إبادةً جماعية بحق أهلنا في غزة؟
— Mourad Aly د. مراد علي (@mouradaly) December 18, 2025
فالمشاهير لا يتحركون في فراغ، وتأثيرهم يتجاوز حدود الاستهلاك إلى تشكيل الوعي الجمعي. وحين يُقدِم لاعب مثل محمد صلاح يحظى… pic.twitter.com/5Fex1S4KCU
بهذا المعنى، لم يعد السؤال عن قيمة عقد بيبسي، بل عن نوع الرسالة التي يرسلها صلاح لجمهوره وللغرب في لحظة تاريخية: هل هو مجرد "علامة تجارية" تُدار بالعقود، أم رمز يفترض أن يعبّر عن ضمير جماهير كسرت حاجز الخوف ورفعت شعار المقاطعة كسلاح في وجه الإبادة؟
غادة نجيب: المقاطعة تحمي كرامة غزة وتُنعش اقتصاد بلدك
الصحفية غادة نجيب ربطت بين غضبها من إعلان صلاح وبين معركة أوسع ضد هيمنة الشركات العالمية على الأسواق المحلية، وعلى رأسها بيبسي وكوكاكولا، وما ترتبط بهما من دعم مباشر أو غير مباشر للاحتلال. كتبت غادة:
«المقاطعه مش بس واجب انساني واخلاقي انما كمان هتساند المُنتج المحلي وهتساهم في في انعاش اقتصاد بلدك للاسف في مصر البرندات العالمية بتقضي علي المنتج المحلي مثلا كان في مشروبات سيناكولا واسباتس اختفوا تماما بشكل مريب لصالح بيبسي وكوكاكولا لو اتفعل سلا ح المقاطعة هتظهر بدائل محلية الصنع»
المقاطعه مش بس واجب انساني واخلاقي
— غادة نجيب - Ghada Nagib (@Ghadanajeb) December 13, 2025
انما كمان هتساند المُنتج المحلي
وهتساهم في في انعاش اقتصاد بلدك
للاسف في مصر البرندات العالمية بتقضي علي المنتج المحلي
مثلا كان في مشروبات سيناكولا واسباتس
اختفوا تماما بشكل مريب لصالح بيبسي وكوكاكولا
لو اتفعل سلا ح المقاطعة هتظهر بدائل محلية… https://t.co/y2TNR9JNf5
في ضوء هذا الطرح، يصبح ظهور محمد صلاح في إعلان بيبسي طعنة مزدوجة: طعنة لضحايا غزة الذين تستهدفهم شركات ترتبط باستثمارات في اقتصاد الاحتلال، وطعنة للاقتصاد المحلي الذي يسعى أنصار المقاطعة لإنعاشه عبر إحياء العلامات الوطنية. اختيار صلاح أن يضع اسمه ووجهه في خدمة "براند" متهم بدعم إسرائيل، بينما تختفي منتجات محلية من السوق، يُظهر فجوة هائلة بين خطابه الخيري في القرى المصرية وبين خياراته التجارية على الشاشات.
صلاح بديوي والجمهور الغاضب: من أيقونة للتعاطف إلى "كائن مادي"
الصحفي صلاح بديوي لخص إحساس خيبة الأمل الشعبية في جملة قاسية لكنها كاشفة؛ إذ كتب:
«إعلانات محمد صلاح باتت تضر من يعلن لهم، فقد بات كائناً مادياً ووجهاً لا يستحق التعاطف معه.. ربنا يهديه.»
بديوي: إعلانات محمد صلاح باتت تضر من يعلن لهم، فقد بات كائناً مادياً ووجهاً لا يستحق التعاطف معه.. ربنا يهديه. pic.twitter.com/u3Z6K7pv8a
— مجلة ميم.. مِرآتنا (@Meemmag) December 17, 2025
هذا الحكم ليس منعزلاً؛ خلفه سيل من التعليقات المماثلة:
– حساب @GenZ002_eg: «أنت مش ناقصك حاجة… الحاجة الوحيدة اللي نقصاك إنك يبقى عندك دم.»
– حساب @WeSayFreedom: «محمد صلاح نفسه أصبح منتجًا داعمًا للعدو الصهيوني.»
– الناشطة أمل (@Am_w55): «محمد صلاح، أنت أب قبل أن تكون نجمًا… حين تصبح العلامة شاهدًا على الجريمة، الصمت عنها موقف.»
هذه اللغة تظهر تحوّلًا جوهريًا في نظرة قطاع واسع من الجمهور إلى صلاح: من رمز يُعامل كـ"ابن" للأمة، إلى شخص يُنتقد باعتباره انفصل عن وجدان الناس، وفضّل "البراند" على الدم. الجرح الأعمق هنا أن صلاح لا يحتاج إلى المال، ما يجعل اختياره أقرب إلى موقف واعٍ لا إلى اضطرار، وهو ما يضاعف الغضب ويُسقط عنه حجة "لقمة العيش".
في المقابل، يواصل كثيرون في غزة تذكير العالم بأن مشروبات مثل بيبسي باتت جزءًا من ذاكرة الموت لديهم؛ تُرى قرب جثث الأطفال وعلى دبابات الجيش في خانيونس ورفح، بينما يرفعها نجم عالمي محبوب في إعلان احتفالي. هكذا يتجسد التناقض الفادح: مشروب واحد، لكنه في غزة مرادف للفزع، وفي إعلان صلاح مرادف لـ"الفرحة" و"العلم"، في تجاهل كامل للسياق الأخلاقي والسياسي.
في النهاية، ما تكشفه هذه الموجة من الانتقادات أن محمد صلاح لم يعد خارج المساءلة الشعبية. الجمهور الذي صبر على صمته طويلًا أمام جرائم الاحتلال، لم يعد مستعدًا لقبول أن يتحول إلى واجهة لتبييض صورة شركة مرتبطة اقتصادياً بإسرائيل في زمن الإبادة. السؤال الذي طرحه د. مراد علي سيظل يطارده: هل يريد أن يبقى مجرد "علامة تجارية"، أم سيستعيد يومًا ما دور الرمز الذي يقف حيث تقف أمته، لا حيث تُشير عقود الإعلانات؟

