في سابقة لم تحدث حتى في أوقات الحروب والأزمات الكبرى، تلقت "القوة الناعمة" المصرية صفعة مدوية في تونس، حيث تم استبعاد مصر رسمياً من المجلس التنفيذي لاتحاد إذاعات الدول العربية (ASBU) وتجميد عضويتها، ليس لموقف سياسي، بل لسبب "مخزٍ" وهو العجز عن سداد الاشتراكات السنوية المتراكمة.

 

الفضيحة التي فجرها اجتماع المجلس الـ 114 في العاصمة التونسية، كشفت عن انهيار إداري ومالي كامل داخل "الهيئة الوطنية للإعلام" (ماسبيرو)، حيث وقفت مصر—مؤسسة الاتحاد ورائدته التاريخية—عاجزة عن دفع مديونية لا تتجاوز 2 مليون دولار، ليتم استبدالها بدول أخرى في مشهد يجسد تراجع الدور المصري إقليمياً إلى الحضيض.

 

هذا "العجز والإهمال والإفلاس الإداري"، كما وصفه حزب "تكنوقراط مصر"، يمثل "إزاحة ممنهجة لمصر من مكانها ومكانتها"، مؤكداً أن النظام "يُهين دولة كانت تقود، ويُسقطها إلى مستوى الطرد بسبب الفلوس".

 

 

ماسبيرو "المفلس".. ديون متراكمة وقيادات غائبة

 

التفاصيل التي تكشفت تشير إلى أن الأزمة ليست وليدة اللحظة، بل هي نتاج تراكم مديونيات استمرت لـ 8 سنوات كاملة دون أي محاولة جادة للسداد أو الجدولة.

 

فالهيئة الوطنية للإعلام، التي ورثت تركة ثقيلة من الديون وسوء الإدارة، فشلت في الوفاء بالتزاماتها الدولية البسيطة، مما أدى في النهاية إلى تطبيق اللوائح الداخلية للاتحاد واستبعاد مصر من "المطبخ التنفيذي" للقرار الإعلامي العربي.


وقد شن الدكتور إبراهيم أبو ذكري، رئيس الاتحاد العام للمنتجين العرب، هجوماً لاذعاً على الإدارة السابقة للهيئة، محملاً إياها مسؤولية هذا "العار"، ومؤكداً أن الإهمال الإداري وصل لدرجة تجاهل المخاطبات الرسمية للاتحاد، مما وضع الوفد المصري في موقف محرج لا يحسد عليه، حيث تحول من "قائد" للاجتماعات إلى "مطرود" منها.

 

وتداول نشطاء ورواد مواقع التواصل الاجتماعي الخبر بمرارة وسخرية، حيث علق حساب "Omar Madaniah" ببساطة مؤلمة: "اليوم تم طرد مصر من المجلس التنفيذي لإتحاد الاذاعات العربية بسبب عدم دفع رسوم الاشتراك؟!".

 

 

بينما لخص الإعلامي محمد ناصر المأساة في جملة واحدة: "بعد أكتر من 90 سنة ريادة .. طرد مصر من اتحاد الإذاعة العربي!".

 

 

"عيب وميصحش".. الإعلام الموالي يصرخ من الفضيحة

 

حجم الكارثة دفع حتى الأذرع الإعلامية للنظام للخروج عن صمتها. فقد انفجر الإعلامي نشأت الديهي غضباً على الهواء، واصفاً ما حدث بأنه "عيب في حق مصر"، ومتسائلاً بمرارة: "هل يليق بمصر وتاريخها أن تخرج من الاتحاد عشان مش دافعة اشتراك؟".

 

الديهي، وغيره من المحسوبين على النظام، اعتبروا أن المبرر المالي "فضيحة" لا يمكن قبولها، خاصة أن المبلغ المطلوب (2 مليون دولار) يعتبر "فكة" مقارنة بما يُنفق على مشاريع الاحتفالات والمؤتمرات الدعائية.


 

 

هذا الغضب يعكس إدراكاً متأخراً بأن سياسة "اللقطة" وإهمال المؤسسات العريقة قد أدى إلى تآكل الرصيد الاستراتيجي لمصر. فخروج مصر من المجلس التنفيذي يعني غياب صوتها في صياغة الاستراتيجيات الإعلامية العربية، وفقدان منصة دولية كانت تستخدم تاريخياً لتسويق الرؤية المصرية والدفاع عن مصالحها.

 

وقد أكدت الناشطة "ريم" هذا الغضب بقولها: "رسمياً.. خروج مصر من إتحاد اذاعات العرب.. بسبب عدم سداد المستحقات.. وغضب شديد من اعلامي مصر".

 

 

نهاية "الريادة".. عندما تصبح مصر "عضو شرف"

 

ما حدث في تونس ليس مجرد إجراء إداري، بل هو إعلان رسمي عن نهاية عصر "الريادة الإعلامية" المصرية. فبينما تتصدر السعودية والكويت والعراق المشهد الإعلامي العربي الآن (حيث فاز ممثلوهم بالمناصب القيادية في الاتحاد)، تتراجع مصر لتصبح مجرد دولة عادية—أو أقل—تطاردها الديون حتى في المنظمات التي أسستها.

 

هذا التراجع أثار ردود فعل متباينة، فبينما رأى البعض مثل "مايا" أن الطرد مستحق بسبب "الإعلام الفاشل والخسيس" الذي "يتعارض بشكل واضح مع مبادئ الاتحاد" في احترام سيادة الدول وعدم التحريض، ذهب آخرون للهجوم الشرس على الإعلام المصري نفسه.

 

حيث وصف حساب "Gh__a6" الإعلام المصري بـ"الترعاوي" الذي تديره "لجان عفطية" على رأسهم أحمد موسى ونشأت الديهي، معتبراً الطرد نتيجة "لتمردهم على اشقائهم في الدول المجاورة والاساءات المتكررة"، تحت وسم #مصر_أرض_العبث_الأعلامي.

 

 

في المقابل، حاولت بعض الأصوات التقليل من شأن الحدث بأسلوب دفاعي، حيث سخرت "ماجي علي طاحون" قائلة: "خبر مضحك.. بذمتكم حد سمع قبل كده عن اتحاد إذاعات الدول العربيه؟ لاء طبعا واحسن وطزززز واحنا أصلا مش عرب.. وانتم من غيرنا ولا حاجه"، في محاولة للهروب من مرارة الواقع.

 

 

إن استبدال "صوت العرب" بـ"صمت الديون" هو النتيجة الحتمية لسنوات من تجريف ماسبيرو وتحويله إلى مبنى خاوٍ من الكفاءات والموارد، يدار بعقلية الموظف الروتيني لا بعقلية الدولة القائدة.

 

واليوم، يدفع النظام ثمن تهميشه لإعلام الدولة لصالح شركات خاصة، ليكتشف فجأة أنه فقد "الميكروفون" الوحيد الذي كان يملكه في الساحة العربية، وأصبح خارج قاعة الاجتماعات، يطرق الأبواب ليعود.. ولكن بعد "الدفع".