نجح مسلسل "كارثة طبيعية" من تأليف أحمد عاطف فياض وإخراج حسام حامد وبطولة محمد سلام، في رسم صورة واقعية مؤلمة لحال الطبقة الوسطى المصرية التي اختفت تماماً تحت وطأة التعويم والمرتبات الهزيلة والإيجارات الخيالية، في عمل درامي يستحق أن يشاهده قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي ليرى "إنجازاته" الحقيقية والحياة خارج الفلل الرئاسية.

 

المسلسل الذي يُعرض على منصة "واتش إت" منذ أواخر أكتوبر 2025، يروي قصة شاب بسيط متزوج حديثاً يكافح لبناء حياته من الصفر وسط تحديات وضغوط يومية، ليفاجأ بحمل زوجته شروق في خمسة توائم تتحول لاحقاً إلى سبعة. القصة التي قد تبدو كوميدية في ظاهرها، تخفي خلفها مأساة حقيقية لملايين المصريين الذين يعيشون نفس الواقع المرير يومياً.

 

التعويم والمرتبات الهزيلة.. كابوس الطبقة الوسطى

 

يصور المسلسل ببراعة كيف يحاول البطل محمد شعبان حساب مصروفات الرضاعة والبامبرز والإيجار استعداداً للمولودين، ليكتشف أن راتبه لا يكفي حتى لتغطية الاحتياجات الأساسية. في مشهد صادم، تتجاوز تكاليف المستشفى وتأثيث غرفة الأطفال ولوازمهم الأساسية 40 ألف جنيه، وهو مبلغ يفوق راتب الموظف البسيط لشهور.

 

هذا هو الواقع الذي خلقته سياسات التعويم المتكررة التي دمرت القوة الشرائية للجنيه المصري، وحولت الطبقة الوسطى إلى فقراء جدد يكافحون من أجل البقاء. المرتبات القليلة التي لم تشهد زيادات حقيقية منذ سنوات، أصبحت لا تكفي لتأمين حياة كريمة، بينما تتضاعف الأسعار يومياً.

 

الإيجارات الخيالية.. سيف مسلط على رقاب الأسر

 

في الحلقة الخامسة، يقتحم مالك الشقة منزل محمد لإجباره على توقيع عقد إيجار جديد بقيمة تفوق راتبه الشهري. المشهد ليس خيالاً درامياً، بل واقع يعيشه ملايين المصريين الذين يواجهون جشع الملاك والزيادات الجنونية في الإيجارات دون أي ضوابط قانونية تحميهم.

 

القانون الذي كان يحمي المستأجرين ألغته حكومة الانقلاب لصالح الملاك، تاركة الأسر البسيطة تحت رحمة السوق المفتوح والجشع اللامحدود. النتيجة: أسر تُطرد من منازلها، وأخرى تنفق نصف دخلها على الإيجار فقط، بينما يتحدث النظام عن "الإنجازات" و"المشروعات القومية".

 

البطالة والفصل التعسفي.. كابوس لا ينتهي

 

في مشهد آخر يعكس الواقع المرير، تُفصل زوجة البطل من عملها دون سابق إنذار، ما يزيد الوضع المالي سوءاً. هذا المشهد يعكس معاناة آلاف المصريين الذين يُفصلون من أعمالهم يومياً بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة، بينما لا توجد أي حماية قانونية حقيقية للعمال.

 

يحاول البطل الحصول على سلفة من مديره في العمل، لكن طلبه يُقابَل بالرفض، فيضطر للبحث عن وظيفة إضافية. الأهالي تشتغل ليل نهار دون راحة، الرجل يعمل في وظيفتين أو ثلاث، والمرأة تساهم في المصاريف، ورغم ذلك لا يكفي الدخل لتأمين الحياة الكريمة.

 

المعاشات الضائعة والحليب المدعوم

 

في مشهد يجسد المأساة الإنسانية، يضطر الزوجان للذهاب للحصول على حليب مدعوم لأطفالهما لتقليل المصروفات. هذا هو حال أصحاب المعاشات والموظفين البسطاء: يقفون في طوابير الحليب المدعوم والخبز، بعد أن كانوا يعيشون حياة كريمة.

 

المعاشات التي كانت تكفي لحياة كريمة أصبحت لا تكفي لأسبوع واحد، وأصحاب المعاشات يعانون الفقر والمرض والإهمال، بينما تنفق الحكومة المليارات على قصور ومشروعات لا تخدم المواطن البسيط.

 

الهجرة.. الحل الوحيد للنجاة

 

في نهاية الحوار بين الزوجين حول أزمة الإيجار، تطلب الزوجة من زوجها السفر خارج البلاد بحثاً عن عمل يخفف عنهم الضغوط المالية. الهجرة أصبحت الحلم الوحيد للشباب المصري، والهروب من الجحيم الاقتصادي الذي خلقه نظام الانقلاب هو الحل الوحيد المتاح.

 

آلاف الشباب يهاجرون سنوياً بحثاً عن فرصة للعيش الكريم، تاركين وراءهم بلداً كان يُعد من أغنى دول المنطقة. حتى حلم الهجرة أصبح صعباً بسبب ارتفاع تكاليف السفر وإجراءات التأشيرات، ليجد المواطن نفسه محاصراً بين جحيم الداخل واستحالة الخروج.

 

قسوة التعامل الحكومي.. عندما تكون الدولة عدواً

 

المسلسل يعكس أيضاً قسوة التعامل الحكومي مع المواطنين، حيث لا يجد البطل أي دعم حقيقي من المؤسسات الحكومية، بل يواجه البيروقراطية والإهمال. هذا هو الواقع: مواطن يعاني، وحكومة لا تبالي، ومسؤولون منشغلون بالفلل والقصور بعيداً عن معاناة الشعب.

 

الدولة التي من المفترض أن تحمي مواطنيها وترعى مصالحهم، تحولت إلى آلة قمعية تستنزف الشعب بالضرائب والرسوم، بينما لا تقدم أي خدمات حقيقية. المواطن يدفع ضرائب على كل شيء، ولا يجد التعليم الجيد ولا الصحة الكريمة ولا الأمان الاقتصادي.

 

الطلاق.. النتيجة الطبيعية للانهيار الاقتصادي

 

المسلسل يشير بذكاء إلى أن الضغوط الاقتصادية هي السبب الأول لارتفاع معدلات الطلاق في مصر. عندما يعجز الزوج عن توفير الاحتياجات الأساسية، وعندما تضطر الزوجة للعمل ليل نهار، وعندما تتحول الحياة إلى صراع يومي من أجل البقاء، فإن الأسرة تنهار والطلاق يصبح النتيجة الحتمية.

 

ارتفاع معدلات الطلاق في مصر ليس صدفة أو "ضعف وازع ديني" كما يدعي البعض، بل هو نتيجة مباشرة للأزمة الاقتصادية الخانقة التي خلقها نظام الانقلاب. عندما يصبح الزواج عبئاً اقتصادياً لا يُحتمل، فإن الطلاق يصبح الحل الأسهل للهروب من الجحيم.

 

رسالة إلى السيسي.. تفرج وشوف إنجازاتك

 

يا ريت قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي يتفرج على مسلسل "كارثة طبيعية" ويشوف إنجازاته الحقيقية. يا ريت يشوف كيف تحولت الطبقة الوسطى إلى فقراء يبحثون عن الحليب المدعوم، وكيف أصبحت الإيجارات سيفاً مسلطاً على رقاب الأسر، وكيف تحولت الهجرة إلى حلم الشباب الوحيد.

 

يا ريت يخرج من الفلل الرئاسية والقصور الفاخرة ويشوف الحياة برة عاملة إزاي. يا ريت يشوف الأم التي تبكي لأنها لا تستطيع شراء الحليب لطفلها، والأب الذي يعمل في ثلاث وظائف ولا يستطيع دفع الإيجار، والشاب الذي يحلم بالهجرة هرباً من الجحيم.

 

لكن للأسف، من يعيش في الفلل لا يرى معاناة من يعيشون في العشوائيات، ومن يركب الطائرات الخاصة لا يشعر بمعاناة من يركبون المواصلات العامة المتهالكة. مسلسل "كارثة طبيعية" ليس مجرد عمل درامي، بل هو مرآة تعكس الواقع المرير الذي يعيشه الملايين، وصرخة تطالب بالعدالة والكرامة والحياة الإنسانية.