في مشهد عبثي يلخص مأساة الحياة السياسية في مصر، تحولت منصة "إكس" إلى ساحة "ردح" مبتذلة بين اثنين من أبرز وجوه الثورة المضادة: علاء مبارك، نجل الديكتاتور المخلوع الذي يحاول إعادة تدوير نفسه كواعظ أخلاقي، ومصطفى بكري، "بوق" كل العصور والأنظمة الذي يتقن الرقص على كل الموائد. هذه المعركة الكلامية، التي اندلعت شرارتها بتهنئة عيد ميلاد، لم تكن مجرد مناوشة عابرة، بل هي "فضيحة بجلاجل" كشفت المستور عن مليارات منهوبة ونفاق متجذر، لتضع الشعب المصري مجددًا في مقاعد المتفرجين على صراع "الأفاعي" التي تنهش بعضها البعض بعد أن نهشت الوطن لسنوات.
طقوس "التعريض" المعتادة واستفزاز الوريث
بدأت فصول المسرحية الهزلية بممارسة مصطفى بكري لطقوسه اليومية المفضلة في التزلف للسلطة، عبر تدوينة "غزل عفيف" هنأ فيها عبد الفتاح السيسي بعيد ميلاده في 19 نوفمبر. بكري، الذي احترف صناعة "الأصنام" السياسية، وصف السيسي بأنه "الرجل الذي انحاز لمصلحة الوطن" و"باني الدولة"، في وصلة نفاق معتادة تجاهلت الواقع المرير الذي يعيشه المصريون من فقر وديون وقمع.
لكن المفاجأة جاءت من "الوريث المعزول" علاء مبارك، الذي يبدو أنه ضاق ذرعًا باحتكار بكري لسوق النفاق، فتدخل بتعليق يحمل من "الوقاحة" بقدر ما يحمل من "الحقيقة". وبلهجة سوقية لا تليق بمن يدعي الانتماء لـ"أبناء الأكابر"، كتب علاء: "يا درش متنساش يوم 26 نوفمبر عيد ميلادي.. ربنا ما يقطعها عادة ولا حضرتك هتستهبل فيها!". ولم يكتفِ بذلك، بل وجه لبكري إهانة مباشرة مغلفة بـ"زلة لسان" مقصودة قائلًا: "من صغرك وحضرتك دايماً متعود تعرض عليا.. أقصد تعيد عليا". استخدام لفظة "تعرّض" في هذا السياق لم يكن عفويًا، بل هو توصيف دقيق من "صانع أنظمة" سابق يعرف جيدًا نوعية "الخدم" الذين يعتاشون على فتات موائد الحكام.
رساله إلي المراهق السياسي علاء مبارك
— مصطفى بكري (@BakryMP) November 20, 2025
- خمس مرات وأنت لاتتوقف عن الهرطقه في حقي ، وكل مره أقول : ياواد خليك إنت الكبير ، علاء مهما راح ولاجيه ، لسه برضه مراهق سياسي ، بكره يعقل ، ولكن طلع رهاني خاسرا ، لأنك زي اللي مسكوها طبله هات ياردح
- قلت: أصبر عليه بكره يكبر ويتعلم معني…
المراهق السياسي يواجه "الطبال"
لم يتأخر رد مصطفى بكري، الذي وجد نفسه عاريًا أمام سخرية "ابن مبارك". وبدلاً من الدفاع عن كرامته المهنية (إن وُجدت)، لجأ بكري إلى سلاح "الردح" المقابل، واصفًا علاء مبارك بـ"المراهق السياسي" الذي لا يتوقف عن "الهرطقة". وقال بكري في تدوينته: "خمس مرات وأنت لا تتوقف عن الهرطقة في حقي.. وكل مرة أقول يا واد خليك إنت الكبير.. لكن طلع رهاني خاسر".
المثير للسخرية هنا هو محاولة بكري ارتداء ثوب "الحكمة" و"الوطنية"، وهو الذي قضى عمره يتنقل من خندق إلى خندق، مدافعًا عن مبارك تارة، ثم مهاجمًا له، ثم مدافعًا عن المجلس العسكري، وصولًا إلى السيسي. إن وصفه لعلاء بـ"المراهق السياسي" هو توصيف دقيق لشخص يعيش في فقاعة الماضي، لكنه يصدر من شخص "كهل" في النفاق السياسي، ما يجعل المشهد أشبه بصراع بين "فاشل قديم" و"انتهازي حالي".
قنبلة الـ 430 مليون دولار.. حين يختلف اللصوص تظهر المسروقات
في ذروة الغضب، ألقى مصطفى بكري بقنبلة مدوية، كاشفًا عن وجه الحقيقة القبيح الذي يحاول علاء مبارك إخفاءه خلف تغريدات "الموعظة" و"الدين". تحدى بكري نجل المخلوع أن يثبت وطنيته بتحويل مبلغ 430 مليون دولار (ما يعادل أكثر من 20 مليار جنيه مصري) مودعة في بنك "كريدي سويس" السويسري باسمه واسم شقيقه جمال، إلى البنك المركزي المصري.
هذا التصريح ليس مجرد مناكفة، بل هو "إقرار بجريمة". فبكري، المقرب من دوائر صنع القرار، يعترف علنًا بأن عائلة مبارك لا تزال تحتفظ بمليارات الدولارات المنهوبة من قوت الشعب المصري في بنوك سويسرا، بينما الدولة تتسول القروض من صندوق النقد. والسؤال هنا ليس لعلاء فقط، بل للنظام الحالي الذي يمثله بكري: لماذا لم يتم استرداد هذه الأموال حتى الآن؟ وكيف يُسمح لهؤلاء "اللصوص" بممارسة العمل العام والتنظير على الشعب عبر وسائل التواصل، بينما يقبع الشباب في السجون بتهمة نشر "أخبار كاذبة"؟.
مسرحية لإلهاء الجياع
إن هذا السجال الهابط بين "الوريث" و"الإمعة" ليس إلا تجسيدًا لانحطاط النخبة السياسية في مصر بشقيها؛ "الفلول" الذين يحلمون بالعودة، و"الأذرع الإعلامية" التي تقتات على التبرير. علاء مبارك، الذي يحاول غسل سمعته الملطخة بالفساد عبر السخرية من أوضاع البلاد الحالية، ليس بأفضل من مصطفى بكري الذي يبارك الخراب الاقتصادي والسياسي الراهن.
كلاهما وجهان لعملة واحدة: عملة الاستبداد والفساد. فبينما يتبادلان الشتائم والاتهامات بـ"التعريض" و"المراهقة"، يظل الشعب المصري هو الضحية الحقيقية، الذي نُهبت أمواله لتستقر في "كريدي سويس"، وتُسرق أحلامه لتتحول إلى مادة دسمة في تدوينات "المطبلاتية". إنها معركة لا منتصر فيها سوى "العبث"، ولا مهزوم فيها سوى "الحقيقة" و"الوطن" الذي يتقاذفه اللصوص والمنافقون.

