في التاسع عشر من نوفمبر تعود ذاكرة المصريين إلى واحدة من أكثر المحطات دموية وإثارة للجدل في مرحلة ما بعد ثورة يناير: أحداث شارع محمد محمود 2011، التي شكّلت علامة فارقة على مستوى كشف بنية القمع وعجز مؤسسات العدالة عن ملاحقة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة.
أربعة عشر عامًا مرّت، لكن شخوص تلك اللحظة لا تزال حاضرة في المشهد العام؛ الضحايا ما زالوا يدفعون الثمن، بينما أفلت الجناة من العقاب، في مشهد يعمّق الشعور بانهيار مبدأ المساواة أمام القانون.
إفلات كامل من العقاب: قضية الشناوي نموذجًا
وثّقت عدسات الكاميرات آنذاك مشاهد صادمة للضابط محمود صبحي الشناوي، المعروف إعلاميًا بـ«قنّاص العيون»، وهو يصوّب سلاحه نحو المتظاهرين ويطلق النار على أعينهم، فيما يردّد أحد مساعديه العبارة الشهيرة: «جت في عينه يا باشا.. جدع يا باشا».
ورغم إدانته مبدئيًا عام 2013 والحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، فإن محكمة النقض ألغت الحكم لاحقًا وقضت ببراءته، ليعود الرجل بعدها إلى صفوف جهاز الشرطة دون مساءلة، وكأن شيئًا لم يكن.
تحول الشناوي إلى رمز لما يصفه حقوقيون بسياسة “الحماية المؤسسية” للمنتهكين، حيث تبقى الوقائع الموثّقة عاجزة عن تحريك العدالة أو ضمان حق الضحايا في الإنصاف.
الضحية الذي تحوّل إلى متّهم: قصة أحمد عرابي
في المقابل، تتجسد مأساة لافتة في حالة أحمد عرابي، أحد أبرز مصابي أحداث محمد محمود، الذي فقد عينه اليسرى نتيجة ثلاث طلقات أصابت رأسه خلال المواجهات. بعد أكثر من عقد على إصابته، يجد نفسه اليوم خلف القضبان للعام الرابع، محبوسًا على ذمة قضية تفتقر — بحسب أسرته ومنظمات حقوقية — إلى أي أدلة ملموسة.
اعتُقل أحمد في نوفمبر 2022، وتعرّض للإخفاء القسري لنحو أسبوعين قبل ظهوره أمام نيابة أمن الدولة العليا، ليواجه اتهامات في القضية رقم 2094 لسنة 2022. ومنذ ذلك الحين، يتم تجديد حبسه بشكل دوري، متجاوزًا الحد القانوني للحبس الاحتياطي، وسط شكاوى واسعة من تدهور وضعه الصحي وحرمانه من العلاج.
https://egwin.net/article/4892787
مقارنة تكشف اختلال العدالة:
الضابط محمود صبحي الشناوي – «قنّاص العيون»
- ظهر مصوّرًا وهو يطلق الرصاص نحو المتظاهرين.
- أُدين عام 2013 بالحبس ثلاث سنوات قبل أن يحصل على البراءة.
- عاد إلى عمله بشكل طبيعي داخل جهاز الشرطة.
- يعيش خارج أي إطار للمساءلة أو المحاسبة.
أحمد عرابي – مصاب فقد عينه اليسرى
- فقد عينه بعد إصابته بثلاث طلقات في أحداث محمد محمود.
- اعتُقل عام 2022 وتعرّض للإخفاء القسري.
- محبوس للعام الرابع دون محاكمة عادلة أو أدلة كافية.
- حالته الصحية تتدهور وسط غياب شبه كامل للرعاية الطبية.
هذا التناقض الصارخ بين مصير الجاني والضحية يلخص ـ بحسب نشطاء حقوقيين ـ أزمة العدالة في مصر خلال السنوات الأخيرة، حيث يتمتع أصحاب النفوذ بالحماية، بينما يواجه المواطنون العاديون إجراءات عقابية قاسية حتى في غياب الاتهامات الجدية.
دعوات حقوقية للإفراج الفوري
تطالب الشبكة المصرية لحقوق الإنسان النائب العام المستشار محمد شوقي بالتدخل العاجل لإنهاء احتجاز أحمد عرابي في جلسة التجديد المقبلة، نظرًا لتجاوز المدة القانونية للحبس الاحتياطي، ولخطورة حالته الصحية التي تهدد حياته.
https://www.facebook.com/ENHR2021/posts/864072652640462?ref=embed_post
تقول مصادر حقوقية إن أحمد يعاني من صعوبة شديدة في التنفس، وآلام حادة في المعدة، إضافة إلى غياب تام للرعاية الطبية داخل محبسه، وعدم إخضاعه لأي فحوص منذ فترة طويلة، ما يضاعف خطر إصابته بمضاعفات قد تكون خطيرة.
“أنا مسجون ليه؟”.. سؤال بلا إجابة
في رسالة سابقة مؤرخة في 21 يناير 2023، كتب أحمد: «لماذا أُسجن؟ ولماذا أتعرض لكل هذه المعاناة؟».
كانت تلك واحدة من عدة رسائل أعقبت إضرابات متكررة عن الطعام حاول من خلالها الاحتجاج على ظروف احتجازه.
بدأت رحلته القاسية في سجن بدر 1، مرورًا بنقله إلى مركز الإصلاح والتأهيل بالعاشر من رمضان، حيث استمرت الشكاوى من الانتهاكات وسوء المعاملة.
ذكرى لا تموت.. وجرح لا يندمل
بعد 14 عامًا على أحداث محمد محمود، ما يزال المشهد يعكس واقعًا تتبدّل فيه مواقع الظالم والمظلوم؛ الضحايا خلف القضبان، بينما من شاركوا في الانتهاكات يعودون إلى مواقعهم.
ومع استمرار الدعوات لفتح ملفات الانتهاكات ومحاسبة المسؤولين، تبقى قضية أحمد عرابي مثالًا واضحًا على أن ملف العدالة الانتقالية لم يُفتح بعد — وأن جراح تلك الأيام لا تزال مفتوحة، تنتظر إنصافًا غاب طويلًا.
https://www.facebook.com/AJA.Egypt/posts/529341024115600?ref=embed_post

