هل أدرك قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي ما لم يدركه الرئيس الأسبق حسني مبارك قبل شهور فقط من ثورة 25 يناير، وكان أحد أبرز أسباب الإطاحة بعد نحو 30 عامًا في السلطة؟

 

كانت هناك حالة من الغليان آنذاك من التزوير واسع النطاق للانتخابات البرلمانية التي جرت في أواخر عام 2010، إلى الحد الذي دعا المعارضة إلى تشكيل برلمان "مواز"، طعنًا في البرلمان الذي تمخضت عنه الانتخابات وتشكل في معظمه من نواب الحزب "الوطني" الحاكم آنذاك. 

 

"خليهم يتسلوا"، كانت أحد أشهر عبارات مبارك التي قابل بها خطوة المعارضة الجريئة سخرية واستهزاءً من "البرلمان الموازي"، المؤكد أنه لم يكن يدرك أنه بذلك يضاعف من حجم الكراهية له ولنظامه، ويدق المسمار الأخير في نعش حكمه الذي أطيح به بعد شهور فقط من عبارته الشهيرة.

 

خطأ مبارك 


لم يشفع لمبارك رصيده الطويل في حكم مصر، ولم يشفع له كونه أحد قيادات حرب أكتوبر 1973، فلا قيمة لذلك كله عندما قابل إرادة الشعب باستهزاء واستعلاء، وأعماه غرروه عن رؤية كرة الثلج التي بلغت ذروتها من التضخم، مع تزايد الفساد، والممارسات الاحتكارية، وتكريس حكم الفرد، وممارسة الخناق على معارضيه من جميع الأطياف، والتمهيد لتوريث السلطة لنجله جمال.

 

دفع مبارك الثمن غاليًا لقراءته الخاطئة للمشهد، وعدم إفساح المجال أمام المعارضة لأن تشكل كتلة معتبرة داخل البرلمان، تحقق شيئًا من التنوع والتوازن مع نواب الموالاة المحتكرين للغالبية الساحقة من المفاعد، بعد أن ترك لها الفتات، وآثر سماع الصوت الواحد داخل البرلمان، ظنًا أنه في مأمن من أي مخاطر، وأن المنصب دائم لا يزول.


 
مضى مبارك في سياساته غير مبالٍ بأية عواقب، أو بالأحرى ترك الحبل على الغارب لنجله الأصغر جمال ومجموعة أمانة السياسات التي رافقت صعوده السياسي، وكانت تشكل له ظهيرًا قويًا لتمرير المشاريع التي تمهد أمامه الطريق للوصول إلى الحكم. 


في المقابل، تجاهل المعارضة التي أخذت رقعتها في التمدد والانتشار، مع ظهور معارضة أكثر شبابًا وحيوية، تمتلك القدرة على إدارة الحراك في الشارع، حتى إذا ما واتتها الفرصة للخروج إلى الميادين، وحشد الملايين من أبناء الشعب الغاضبين وراءها احتجاجًا على ممارساته الاستبدادية، ورفضه إجراء انتخابات رئاسية تعددية حقيقية، على الرغم من تجاوزه الثمانين عامًا. 

 

خطوة استباقية لإصلاح ما أفسدته الانتخابات


لذا يمكن القول، إن تلميح قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي المفاجئ بإعادة الانتخابات كاملة أو جزئية يأتي كمحاولة استباقية لوقف نزيف الخسائر المتصاعد بين أنصاره قبل المعارضة نفسها، مع الحديث علنًا عن عمليات تزوير تعزز من هيمنة أحزاب الموالاة بقيادة "مستقبل وطن"، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس في برلمان "صوري" لا يملك أية إرادة في مسائلة الحكومة أو استجوابها، أو التعبير عن مصالح الناخبين.

 

السيسي بالقطع ليس بريئًا مما جرى ويجري من تجريف للساحة السياسية في مصر، والقضاء على أية معارضة حقيقية، وهو الذي اعترف ذات مرة بأنه "ليس رجل سياسة"، من خلال إطلاق يد الأجهزة الأمنية في "هندسة الانتخابات" لتخرج على النحو الذي تريده، معارضة مستأنسة بلا أنياب، خرساء لا صوت لها، ظنًا أن هذا هو الأفضل، حتى لا تشكل صداعا في رأس النظام. 

 

السيسي يدرك جيدًا، بحكم أنه رجل مخابرات أن هناك حالة من الغضب الشعبي المتنامي بين المصريين، جراء السياسات الاقتصادية التي ينتهجها، واعتماده المتزايد على الاقتراض من الدول والمؤسسات التمويليلة الدولية، مما انعكس بالسلب على الأوضاع المعيشية للمصريين، مع تآكل القيمة الشرائية للجنيه، مما دفعهم إلى إعادة ترتيب أولوياتهم واحتياجاتهم الإنسانية والمعيشية. 


 
 لذا، جاء بيانه بشأن وقوع "أحداث" في بعض الدوائر الانتخابية التي يتنافس فيها المرشحون الفرديون في المرحلة الأولى من الانتخابات التي جرت في 14 محافظة، والذي اقترح فيه على الهيئة العليا للانتخابات فحص الطعون بشأنها، وإلغاء المرحلة الأولى بصورة كلية أو جزئية "عند تعذر الوصول إلى إرادة الناخبين الحقيقية".   

 

إعادة الانتخابات في 19 دائرة


وأعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر عن إعادة الانتخابات في 19 دائرة، أو ما يشكل عدد دوائر الجمهورية، لثبوت خروقات جوهرية فيها توجب بطلانها.

 

وعلق الكاتب جمال سلطان على بيان قرار الهيئة الوطنية للانتخابات، قائلاً إن "بطلان الانتخابات في ثلث الدوائر يوجب إلغاءها وليس ترقيعها".وأضاف: "وللعلم الهيئة الوطنية لتزوير الانتخابات لم تعلن أبدًا ـ قبل بيان الرئاسة ـ أنها رصدت أي خروقات أو أن هناك شكوكًا جدية وصلتها، بل أكدت دائمًا أن الانتخابات عرس انتخابي مشرف في مصر وأنها تمضي في نزاهة وشفافية ولا يشوبها إلا الزحام على اللجان، كما قال المستشار الدجال الكبير فيهم".

 

 

متفقًا معه في الراي، قال الكاتب والخبير الاقتصادي، الدكتور مدحت نافع، إن "امتداد "الإلغاء" التام إلى 19 دائرة يشكك في العملية الانتخابية برمتها خاصة وهو يأتي بعد أيام من التأكيد على سلامتها! أظن إنفاذ إرادة الناخبين التي أشار اليها الرئيس أهم من ماء وجه البعض وأوسع من هذا الإجراء وأقمن أن يمتد الى قانون الانتخابات وآليات الترشّح"