قال الكاتب والإعلامي إسلام لطفي شلبي في تدوينة لافتة عبر حسابه الرسمي على "فيسبوك": «لا يوجد تفسير منطقي لقيام النظام بتزوير انتخابات قام بهندستها مسبقًا، إلا أن النظام يحاول الحفاظ على "صنعة التزوير" من الانقراض».

كلمات قليلة، لكنها تختزل المشهد السياسي المصري بكل تعقيداته وسخريته السوداء، حيث تبدو السلطة مصممة على تزوير انتخابات نتيجتها معروفة مسبقًا، وكأنها تمارس طقسًا بيروقراطيًا لا يمكن التخلي عنه، حتى لو لم تعد هناك حاجة له. فهل نحن أمام نظام يعيد إنتاج أدوات القمع من باب الاعتياد؟ أم أن التزوير أصبح هدفًا في حد ذاته، بصرف النظر عن نتائجه؟ هذا ما يحاول التقرير التالي تفكيكه.
 

 

انتخابات بلا منافسة... فلماذا التزوير؟
منذ الانقلاب العسكري في 2013، تحوّلت الانتخابات في مصر إلى مسرحيات شكلية، يغيب عنها التنافس الحقيقي، وتُدار نتائجها مسبقًا. فلماذا إذًا تُصر السلطة على إنفاق مليارات الجنيهات على تنظيم انتخابات نتيجتها محسومة؟ ولماذا يُستدعى الأمن والإعلام والقضاء لتزوير إرادة شعب لم يُسمح له أصلًا بالتعبير عنها؟

الإجابة قد تبدو صادمة: ليس الهدف هو النتيجة، بل الحفاظ على آلية القمع نفسها. فالسلطة في مصر ترى في "التزوير" جزءًا من بنيتها وهويتها. هو ما يضمن استمرارها، ويدرب أجهزتها، ويوجه رسائل رمزية للمجتمع مفادها أن لا تغيير قادم، ولا أمل في الإصلاح.
 

هندسة مسبقة... وزيف لاحق
تبدأ عملية "الهندسة" قبل التزوير: منع المرشحين الحقيقيين من الترشح، تعديل القوانين بما يتناسب مع بقاء زعيم الانقلاب، السيطرة على الإعلام والقضاء، وتفصيل البرلمان على المقاس.
لكن هذه الهندسة وحدها لا تكفي، فالنظام يرى ضرورة أن تُستكمل الصورة عبر تزوير الأصوات الفعلية، حتى لو كان الفائز معروفًا.

هكذا تُصبح الانتخابات مجرد عرض للعضلات الأمنية، يُشارك فيه المواطن لا ليختار، بل ليُظهر ولاءه القسري. فالصوت لا يُحسب، بل يُراقب. والنزول إلى اللجان ليس حقًا سياسيًا، بل واجبًا أمنيًا.
 

"صنعة التزوير": وظيفة مؤسسية لا يمكن تعطيلها
الكاتب إسلام لطفي شلبي اختصر المشهد حين وصف التزوير بـ"الصنعة". فكما أن في الدولة مؤسسات للأمن والقضاء والتعليم، هناك أيضًا "مؤسسة التزوير"، لها أدواتها وخبراؤها وموازناتها.

هي صنعة متوارثة داخل النظام المصري، لا تقتصر على الانتخابات، بل تمتد إلى الإعلام، القضاء، الإحصاءات، وكل ما يمكن أن يعكس "رغبة الدولة" بدلًا من إرادة الناس. وربما يخشى النظام أن تفقد هذه المؤسسة مهاراتها إن لم تُمارس مهنتها بانتظام. فكما يتدرب الجندي على السلاح، تتدرب الأجهزة على التزوير.
 

رسائل سياسية إلى الداخل والخارج
الحرص على إجراء انتخابات مزورة لا يخلو من رسائل سياسية. إلى الداخل: النظام ما زال يسيطر، وكل محاولات التغيير ستُسحق. إلى الخارج: نحن دولة ديمقراطية شكلًا، نحترم "الاستحقاقات الدستورية"، ونقيم انتخابات "منتظمة"، وإن كانت بلا مصداقية.
لكن الخطر الحقيقي هو في "تطبيع التزوير"، بحيث يفقد المواطن الإحساس بجدوى أي عملية سياسية. فحتى وهم المشاركة يتم مصادرته، ويُستبدل بالخضوع التام. وهذا أخطر ما يمكن أن تصل إليه المجتمعات: اللامبالاة العامة، والموت السياسي البطيء.
 

التزوير كخوف لا كقوة
ورغم استعراض القوة الظاهري، إلا أن التزوير يعكس في جوهره خوف النظام من المجتمع. نظام واثق من نفسه لا يحتاج إلى التزوير، بل إلى منافسة نزيهة تثبت شرعيته. أما حين يلجأ إلى تزوير انتخابات هندسها مسبقًا، فإنه يعلن — من حيث لا يدري — عن فشله في نيل ثقة الناس، حتى تحت أقسى ظروف القمع.
إنها مفارقة كاشفة: السلطة التي تدعي القوة، ترتعد من صندوق اقتراع شفاف.
 

إلى أين يمضي النظام؟
حين تتحول الانتخابات إلى إجراءات بيروقراطية جوفاء، والتزوير إلى تقليد مؤسسي راسخ، يفقد النظام أحد أهم أركانه: الشرعية. ومع استمرار هذا النهج، تتآكل ثقة الناس تدريجيًا، ويُستبدل الحراك السياسي بالصمت، ثم بالانفجار.
كلمات إسلام لطفي شلبي ليست فقط نقدًا سياسيًا، بل تحذيرًا صريحًا: النظام الذي يُصر على ممارسة التزوير بلا حاجة، ربما لن يجد في النهاية من يشاركه حتى هذا الطقس العبثي.