في مشهد جديد من مشاهد الانحدار الديني والسياسي، خرجت دار الإفتاء المصرية، عبر أمين الفتوى الدكتور هشام ربيع، لتهاجم شابًا قرأ آيات من القرآن الكريم في المتحف المصري الكبير. بدلًا من أن تدافع عن حرية التعبير الديني وسماحة الإسلام، اختارت المؤسسة الدينية الرسمية أن تتماهى مع خطاب السلطة، موجّهة اتهامات مبطنة بالاستعراض والتلميح بالشرك، وكأنها تتحدث بلسان أمني لا بلسان شرعي.

 

قراءة القرآن جريمة؟

في واقعة انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، ظهر الشاب أحمد السمالوسي يتلو آيات من سورة غافر داخل المتحف، وتحديدًا تلك التي تسرد قصة موسى وفرعون. ما حدث بعدها كان صادمًا: بدلاً من الترحيب بالتلاوة أو حتى الصمت، تدخلت دار الإفتاء لتصف المشهد بأنه "منكر عظيم" و"سوء أدب مع القرآن". أهذا هو فقه المرحلة؟ أتحوّلت تلاوة القرآن إلى جريمة؟

 

فقه السلطة لا فقه الشريعة

تصريحات دار الإفتاء تعكس وجهًا قبيحًا لعلاقة الدين بالسياسة في مصر اليوم. بدلاً من أن تتخذ موقفًا محايدًا يُراعي مقاصد الشريعة وروح القرآن، أطلقت المؤسسة الدينية أحكامًا سياسية مغلّفة بغطاء شرعي. مهاجمة الشاب واتهامه بالاستعلاء الديني والاستعراض، وتحليل نواياه من زاوية أمنية، هي مهام لا تليق بمؤسسة يفترض أن وظيفتها الإرشاد لا التجريم.

 

آيات فرعون ليست جريمة

المثير للسخرية أن دار الإفتاء اعتبرت اختيار آيات قصة فرعون تلميحًا بأن المتحف هو "دار شرك". هذا التأويل السطحي لا يليق بمؤسسة علمية، بل يبدو أشبه بمحاولة بائسة لشيطنة أي رمزية دينية تتقاطع مع رموز السلطة. هل أصبح ذكر فرعون في أي سياق تلميحًا سياسيًا يُجرّم؟ هل أصبح القرآن سلاحًا يُمنع استعماله إلا بإذن الدولة؟

 

تكميم الصوت الديني خارج المسجد

بحجج واهية، اعتبرت دار الإفتاء أن المتحف ليس مكانًا للتعبد الجماعي، وكأن الشاب أقام صلاة جماعية أو خطب جمعة، لا مجرد تلاوة فردية. هذا التضييق على التعبير الديني العفوي يكشف كيف أصبحت المؤسسات الدينية في قبضة النظام، تشرعن القمع وتخوّن التعبير. بينما تُطلق الأغاني الصاخبة والمهرجانات في الأماكن العامة، تُجرّم تلاوة القرآن لأنها تهز ضمائر النخبة الحاكمة.

 

دار الإفتاء: منبر الدولة لا منبر الإسلام

لقد تحولت دار الإفتاء من مؤسسة علمية تُفترض بها الاستقلالية والاتزان، إلى بوق يُوظف الدين لخدمة أجندات أمنية. بدلًا من الدفاع عن الشاب وحقه في تلاوة كتاب الله، تحالفت مع الرواية الرسمية وساهمت في التنكيل به. إنها ليست أزمة رأي ديني، بل أزمة استخدام الفتوى كأداة قمع، وتحوّل الشريعة إلى خطاب سياسي.

 

خاتمة: لا تسيّسوا القرآن

إن تلاوة القرآن ليست جريمة، واختيار الآيات لا يخضع لرقابة أمنية، والمجاهرة بالقرآن لا تعني استعلاءً بل إيمانًا. على المؤسسات الدينية أن تعود إلى أصل رسالتها: هداية الناس لا تخويفهم، نشر الرحمة لا التنكيل، قول الحق لا مسايرة السلطان. أما من يهاجمون تلاوة القرآن لأنهم يخافون من فرعون، فليعلموا أن نهاية فرعون كانت الغرق، ونهاية الحق أن يعلو.