لم تكن فضيحة توزيع الكراتين التموينية في أول أيام انتخابات البرلمان المصري 2025 حدثًا معزولًا، بل كانت مقدمة لسلسلة من الانتهاكات التي تواصلت في اليوم الثاني، وسط صمت رسمي وتواطؤ إداري.
فبينما يُفترض أن تكون صناديق الاقتراع وسيلة للتعبير الحر، تحولت إلى مسرح مفتوح لانتهاكات سافرة تمارسها الدولة عبر أدواتها، من كراتين الغذاء إلى الحافلات المُسيّسة، في محاولة لصناعة برلمان على المقاس.
ما كتب بالأمس أصبح واقعًا ممتدًا، يُهدد بفقدان ما تبقى من معنى للمشاركة السياسية في مصر.
السرعة في توزيع الدعم وغياب المراقبة
المشاهد التي أمسِكتها عدسات المراقبين والناشطين حقوقيًا تؤكد أن «الكراتين» لم تُقدَّم كمساعدات عاجلة، بل كجزء من حملة مستهدفة. فلا إجراءات شفافة معتمدة، ولا إشراف قضائي محايد، بينما كانت مؤسسات الدولة نفسها – أو من يُفترض أنها مؤسسات حكومية – تستخدم لدعم مرشحين بعينهم. وهذا يتماشى مع رصد أُفاد بأن أليات الشراء الانتخابي تكرّرت في الجولات القديمة، لكن ما حصل أمس يعكس حجم الانحدار الجديد.
فضيحة الانتخابات: توزيع كراتين تموينية على المواطنين! #مزيد pic.twitter.com/faevTul2y7
— مزيد - Mazid (@MazidNews) November 10, 2025
شكاوى مرشّحين معارضين: «اللعبة مُرتّبة مسبقًا»
واعتراضا على ما وصفتها بانعدام النزاهة وحسم المقاعد مسبقا. أعلنت النائبة السابقة نشوى الديب والمرشحة المستقلة في انتخابات مجلس النواب 2025 على المقاعد الفردية. عن دائرة إمبابة والمنيرة الغربية بالجيزة، انسحابها من الانتخابات بعد ساعة من فتح باب الاقتراع اليوم.
وقالت الديب: “مينفعش الانتخابات قبل ما تتعمل تبقى محسومة، اللي بيحصل ده عبث. ونرفض عدم نزاهة الانتخابات وعدم الشفافية، عايزين انتخابات حرة”، وسط ترديد مؤيديها عبارات “حرة.. حرة”.
عودة مشاهد الرقص
وكما هو حال الانتخابات خلال السنوات الماضية، سيطر مشهد الرقص أمام عدد من اللجان. لأنصار المرشحين، حيث تجمع عدد من النساء وكبار السن وأطلقوا الزغاريد والرقص على أغاني شهيرة.
https://www.facebook.com/reel/1165128712466192
وبحسب تلك التقارير، استخدمت الحافلات التابعة لدولة أو شركات حكومية لنقل الموظفين والمستفيدين إلى اللجان، تحت شعارات تحفيزية مبطّنة «شارك في القرار».
خروقات ملموسة داخل اللجان الانتخابية
من أبرز الانتهاكات:
- الترويج العلني للمرشحين المدعومين داخل وخارج اللجان، بما يخالف مبدأ الحيادية.
- تدخل جماعات خيرية تُديرها الدولة أو تتبعها، في تحفيز الناخبين على انتخاب مرشّح أو قائمة معينة وفق تعليمات «الأعلى» باستمرار الخدمات.
- استخدام شبكات جمع الأصوات المدفوعة مسبقًا – كحافلات النقل أو المطاعم أو كراتين الغذاء – كوسائل لضمان تصويت محدد.
- ضعف الحضور الرقابي المستقلين، وضغوط على المنظمات الحقوقية لمتابعة الانتهاكات.
من صدقية الانتخابات إلى استنساخ السلطة
ترى منظمات حقوقية مصرية مستقلة أن الانتخابات تحولت إلى «فرجة انتخابية» تكرّس تمثيلًا مسبقًا، لا حقيقتها تمنح المواطنين سلطة الاختيار.
فبالرغم من التصريحات الرسمية التي تؤكد إشرافًا قضائيًا ومراقبة، إلا أن أدوات الدولة – الأمنية والإدارية والمالية – ظلت فاعلة في توجيه النتائج.
وهكذا، بدلا من أن تكون الانتخابات آلية لمساءلة السلطة، صارت وسيلة لإضفاء شرعية على قرارات تم اتخاذها مسبقًا.
عندما يصبح الدعم الاجتماعي سلاحًا انتخابيًا
لقد تحوّل الدعم الموجه للفئات الضعيفة إلى ورقة انتخابية بحتة. توزيع الكراتين التموينية في يوم التصويت، هو مثال صارخ على ذلك: إذ يستفيد المواطن المحتاج ليس من الدعم بصرف النظر، بل شرطيًا مقابل المشاركة الانتخابية المرغوبة.
هذا النمط يُعدّ خرقًا للقانون الانتخابي الذي يحظر شراء الأصوات، ويُشّجع على النزاهة.
انتخابات مَنهية قبل أن تبدأ
ما شهدناه في أول أيام الانتخابات والذي استمر مع بداية اليوم الثاني ليس مجرد خرق قانوني، بل استعراض لقوة الدولة وفعلها الانتخابي الاستعراضي. توزيع الكراتين الغذائية، وتعبئة الموظفين، واستخدام مؤسسات الدولة في الدفع باتجاه نتائج محددة كلها تؤكد أن اللعبة انتقلت من التوظيف إلى التلاعب.
وعلى المجتمع الدولي، والمؤسسات الحقوقية، والمواطنين أنفسهم أن يسائلوا: هل ما شهدناه أمس واليوم هو انتخابات أم عرض مسرحي؟ وهل سنكتفي بالفرجة أم سنطالب بالمساءلة؟

