في خضم الاستحقاق الانتخابي الجاري في مصر، يطل رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بخطاب يُوجّه بشكلٍ واضح إلى فئة الشباب، داعياً إياهم للانخراط في العملية السياسية – سواء عبر التصويت أو المشاركة في برامج التنمية.
لكن في الوقت نفسه، تظهر أرقامٌ مُقلقة عن واقع الشباب المصري: بطالة مرتفعة، فجوات بين الجنسين، ضعف جودة التعليم، وتضخّم يتآكل معه فرص العيش الكريم.
لذا، من المفيد طرح السؤال: هل هذا الخطاب موجّه فعلاً إلى تمكين الشباب، أم أنه في جزء كبير منه يُستخدم كأداة لحشد الأصوات؟ سنحلّل في هذا التقرير كيف يُوظّف مدبولي خطاب الشباب، وما مدى توافقه مع الواقع العملي.
رغم حديث مدبولي المتكرر عن “الثروة البشرية” و”الشباب الواعد” باعتبارهم محور التنمية، تُظهر الأرقام الرسمية والتقارير الدولية واقعًا مغايرًا.
فمعدلات البطالة بين الشباب لا تزال مرتفعة، وجودة التعليم ضعيفة، وتحديات المعيشة تتفاقم بفعل التضخم وغلاء الأسعار.
وعلى الرغم من إطلاق مبادرات حكومية عدة للتدريب والتشغيل، إلا أن تأثيرها ما زال محدودًا أمام حجم الأزمة البنيوية في سوق العمل المصري.
خطاب مدبولي: «ثروتنا البشرية» ومحور الشباب
منذ تولّيه المنصب عام 2018، شدّد مدبولي على أن الشباب يمثلون «ثروة بشرية واعدة» وأن الدولة تهدف إلى «الاستثمار في طاقاتهم».
مثال على ذلك: في مؤتمرٍ للشباب أعلَن فيه أن الحكومة تُخطّط للإصلاح في التعليم والرعاية الصحية، وتعزيز الثقافة الرياضية، باعتبار هذه العناصر جزءاً من بناء «الشخص المصري القادر» على مواجهة التحديات.
كما رافقه ظهور في مناسباتٍ تتعلق بوزارة الشباب والرياضة، حيث أُشير إلى تمكين الشباب من القيادة وصياغة السياسات المحلية والدولية.
ومع حلول موعد الانتخابات البرلمانية في نوفمبر – ديسمبر 2025، يبدو أن الخطاب يتجه بخطوة ثابتة نحو الجانب الانتخابي: أي جذب فئة الشباب للمشاركة السياسية – التصويت – والاستجابة لدعوات الدولة للمشاركة.
هذا يتجسد في الرسائل الإعلامية التي تربط بين «دورك كشاب» و«مستقبل مصر»، مما يشير إلى أن خطاب مدبولي يجمع بين التنمية والشرعية السياسية.
التناقضات بين الخطاب والواقع
- مشاركة الشباب والإناث
ضعُف مشاركة الإناث في سوق العمل — بـ16.9% فقط مقابل 70.3% للرجال عام 2024 — رغم أن الخطاب يُروّج لتمكين الشباب والنساء.
أيضاً، بطالة الفئة العمرية 15-29 سنة بلغت حوالي 14.9% في 2024، مع فجوة كبيرة لصالح الذكور (9.8%) مقابل الإناث (37.1%). هذه الأرقام تُظهر أن خطاب «الثروة البشرية الشبابية» لم يترجم بعد إلى دخول فعلي أكبر للنساء أو فرص وظيفية كافية للشباب.
- جودة التعليم والمهارات
يُشير ما يُعرف بـ«فقر التعلّم» إلى أن 56% من الأطفال في سن العاشرة لا يستطيعون القراءة بفهم، ما يضع خطراً على ما يُطرَح من خطابات حول «استثمار الشباب». هذا يشير إلى أن الأفكار الكبرى بصدد تمكين الشباب تواجه عائقاً تعليمياً هيكلياً.
- التضخم وتآكل الأجور
مع تضخم حضري يُناهز 24.1% في 2022-2023 بحسب وزارة المالية، يعيش الشباب والشابات تحت ضغط تكلفة المعيشة، ما يقلّل من الجدوى الفعلية لأي خطاب يدعوهم إلى «فرص مستدامة» إن لم يكن مصحوباً بتحسين الأجور والظروف.
- الربط بين الخطاب والانتخابات
الانتخابات البرلمانية 2025 تقع في توقيت يتزايد فيه الظهور الإعلامي للخطابات الموجّهة للشباب، ما يجعل من الخطاب ليس فقط تخطيطاً تنموياً، بل أداةً سياسية تُستَخدم لحشد أصوات الشباب — ما يثير تساؤلاً: مدى صدقية هذه الدعوات التنموية مقابل هدفها السياسي.
بين تنمية الشباب وجذب الأصوات
من جهة، خطاب مدبولي يعمل على الربط بين تمكين الشباب والتنمية الوطنية، وهو أمر مهم.
من جهة أخرى، هناك سمات واضحة تجعل الخطاب ينحو نحو المهل الانتخابية: التركيز على المشاركة، التواجد الإعلامي المرتفع، والخطاب الذي يزيد من الحماسة لدى الشباب كفئة انتخابية.
وهذا لا يعني بالضرورة أن نفي الخطاب التنموي، لكن ما نراه أن الأولويات التنموية الحقيقية (جودة التعليم، تقليص فجوة النوع، ظروف العمل اللائق) لم تُعطَ بعد ترجمة متوازية كما يُطرح في الخطاب، مما يُعزز فكرة أن جزءاً من الخطاب موجه نحو تحقيق هدف سياسي.
لذا، يجب التمييز بين:
- خطاب تمكين الشباب (تنمية، تعليم، عمل)
- خطاب حشد انتخابي (مشاركة، تصويت، شرعية)
وبين أن وجود العنصر الثاني لا يلغي الأول، لكنه يشير إلى أن التوظيف السياسي للخطاب موجود.
يمكن القول إن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي يُقدّم خطاباً لافتاً وموجّهاً نحو الشباب، في إطار «الثروة البشرية» و«فرص المستقبل». لكن الواقع العملي لا يزال خلف المأمول: فجوات بنيوية، ضعف جودة التعليم، مشاركة اقتصادية للنساء أقل بكثير مما يُروّج له، وتضخّم يمتص المكاسب.
وفي سياق الانتخابات البرلمانية الجارية في مصر 2025، يصبح هذا الخطاب أيضاً أداة سياسية لجذب فئة الشباب — مما يجعل من الضروري على الشباب أنفسهم أن يقيّموا: هل المشاركة في هذا الخطاب تعني بالفعل تمكينهم؟ أم أنها خطوة قبل انتخاب؟

