تتصاعد في مختلف المحافظات المصرية حالة من الاحتقان داخل أوساط أصحاب المخابز البلدية، بعد موجة المحاضر التموينية الأخيرة التي لاحقتهم بتهمة إنتاج خبز ناقص الوزن، رغم أن كثيرين منهم يؤكدون تنفيذ تعليمات رسمية غير معلنة من بعض المديريات التموينية بخفض وزن الرغيف إلى نحو 73 جرامًا لتقليل الخسائر التي تسببها زيادة تكاليف التشغيل.

 

 

خلفية الأزمة

 

الوزن الرسمي المعلن لرغيف الخبز البلدي المدعم هو 90 جرامًا، مع سماح فني بسيط بين جرام واثنين وفق قرارات وزارة التموين. لكن منذ منتصف صيف 2025، بدأت بعض المديريات التموينية وفق ما أكده أصحاب المخابز توجيهًا شفهيًا بخفض الوزن إلى حدود 73 أو 75 جرامًا، لتخفيف الأعباء الناتجة عن ارتفاع أسعار الغاز والزيت والملح والخميرة، وهي مواد لا تشملها منظومة الدعم.

 

يقول أحد أصحاب المخابز في القليوبية في فيديو متداول عبر صفحة “اتحاد المخابز البلدية”: “التموين بنفسه قال لنا: خفّفوا الوزن شوية عشان المصاريف زادت، ولما طبقنا الكلام جالنا محاضر نقص وزن كأننا بنغش الناس.”

 

غرامات بلا تحقيق فني

 

العديد من المخابز ترى أن مفتشي التموين يحررون المحاضر بطريقة روتينية وغير عادلة. فبدلاً من اعتماد عينة ممثلة من الإنتاج اليومي، يُقاس وزن رغيف أو اثنين فقط، ليُعتبر المخبز مخالفًا. وفي حالات كثيرة، تُفرض غرامات ضخمة تصل إلى عشرات الآلاف من الجنيهات، مما يهدد استمرار هذه المنشآت الصغيرة.

 

محمد عبدالنبي، صاحب مخبز في كفر الشيخ، يقول في شكواه المصوّرة المنتشرة عبر منصة “صوت المخبز المصري”:

 

“إحنا مش غشاشين. الدقيق بيتأخر، الكهرباء تقطع، والغاز يغلى. لما نقصجرامين أو تلاتة في العجين نتحاسب كأننا بنسرق الدعم.”

 

 

هذه الشكاوى تشترك في نقطة واحدة: غياب التفرقة بين المخالفة المتعمدة وبين الخطأ الناتج عن الظروف التشغيلية. فالمخابز الملتزمة التي تتعامل بشفافية مع المواطنين تقع ضحية لنظام تفتيش جامد لا يراعي الواقع.

 

توجيهات متناقضة

 

المفارقة أن بعض مسؤولي مديريات التموين نفسهم أقرّوا في لقاءات غير رسمية بوجود “تعليمات بالتيسير” على المخابز، خاصة بعد ارتفاع أسعار أسطوانات الغاز الصناعي إلى أكثر من 190 جنيهًا في بعض المحافظات، إلى جانب تضاعف تكاليف الصيانة والنقل. إلا أن الحملات التموينية، خصوصًا في القاهرة والجيزة والدقهلية، تواصل تحرير المحاضر ضد نفس المخابز التي طُلب منها سابقًا تقليل الوزن.

 

مصدر داخل غرفة صناعة المخابز قال إن هذه التناقضات تسببت في موجة شكاوى رسمية للغرفة، مطالبة بوقف “الاستهداف الممنهج” للمخابز الصغيرة والمتوسطة. وأضاف أن بعض الأفران بدأت تهدد بالتوقف عن العمل مؤقتًا لحين مراجعة الغرامات المجحفة.

 

مطالب المخابز

 

جمعية أصحاب المخابز بالقليوبية والمنوفية أصدرت مذكرة مشتركة في مطلع نوفمبر طالبت فيها وزارة التموين بما يلي:

 

اعتماد آلية تفتيش قائمة على المتوسط اليومي للإنتاج بدلاً من فحص رغيف واحد.

 

إقرار وزن جديد واقعي يوازن بين كلفة التشغيل والسعر المدعم الثابت بخمسة قروش.

 

إلغاء المحاضر الصادرة بناءً على توجيهات سابقة بخفض الوزن.

 

تشكيل لجنة مشتركة بين الغرف التجارية ومديريات التموين لتسوية النزاعات الفورية.

 

إعادة تقييم التكلفة الإنتاجية وفق الأسعار الحالية للطاقة والخامات.

 

مأزق المواطن

 

في ظل هذه الاضطرابات، يبقى المواطن البسيط هو المتضرر الأول. فاستمرار العقوبات العشوائية قد يدفع أصحاب بعض المخابز إلى تقليل الإنتاج أو التوقف المؤقت، ما يعني نقص المعروض وازدحام الطوابير مجددًا في القرى والمدن. وفي المقابل، يؤدي التساهل غير المنضبط إلى تراجع جودة الرغيف وتهريب جزء من الدقيق المدعم.

 

لذلك، يرى مراقبون أن الحل يكمن في وضع نظام رقابي أكثر دقة وشفافية، يعتمد على التقييم الفني والإنتاجي بدلًا من القرارات العقابية السريعة. فالتوازن بين حق المواطن في رغيف جيد وحق المخبز في بيئة تشغيل عادلة هو الضمان الحقيقي لاستقرار منظومة الخبز.

 

وفي ضوء ما سبق فإن أزمة المخابز الحالية لم تعد مجرد نزاع حول جرامات ناقصة، بل مؤشر على خلل في إدارة الدعم والتكلفة. فالتوجيهات المتضاربة بين المركز والمحليات خلقت حالة من الفوضى الرقابية. ويبقى الحل في حوار علني بين وزارة التموين، الغرف التجارية، وممثلي المخابز للوصول إلى وزن عادل وسعر إنتاجي يغطي الكلفة دون تحميل المواطن أو صاحب المخبز عبئًا إضافيًا.