في خطوة قضائية لافتة، قضت محكمة جنح الدقي، يوم الخميس، بحبس الفنان والمغني محمد رمضان لمدة عامين مع الشغل، في سابقة نادرة تتعلق بنشر محتوى فني عبر المنصات الرقمية دون الحصول على التراخيص اللازمة. جاء هذا الحكم على خلفية بث أغنيته "رقم واحد يا أنصاص" عبر قناته الرسمية على يوتيوب، ليفتح الباب واسعًا أمام الجدل حول مستقبل حرية الإبداع في الفضاء الرقمي المصري، ويثير تساؤلات عميقة حول ما إذا كان الهدف هو فرض سيادة القانون أم استخدام القضاء كأداة لتوجيه رسائل سياسية وإلهاء الرأي العام.

 

تفاصيل القضية وأساسها القانوني

 

تعود وقائع القضية، التي قُيدت برقم 9213 لسنة 2025 جنح الدقي، إلى بلاغ رسمي اتهم محمد رمضان بإذاعة وبث مصنف سمعي وبصري دون الحصول على موافقة من الجهات المختصة، وعلى رأسها وزارة الثقافة وهيئة الرقابة على المصنفات الفنية. استند الادعاء إلى أن نشر الأغنية على قناة يوتيوب يتابعها الملايين يشكل مخالفة صريحة لقانون حماية الملكية الفكرية والقوانين المنظمة لتداول المصنفات الفنية. وقد اعتبرت جهات التحقيق أن تجاهل رمضان للمسارات الرقابية الرسمية وبث العمل مباشرة للجمهور هو إخلال جسيم يستوجب المساءلة. غياب رمضان عن حضور الجلسة الأولى ربما فُسر على أنه استهانة بالإجراءات، مما قد يكون قد ساهم في تشديد الحكم الصادر بحقه، والذي جاء مع الشغل والنفاذ.

 

فرضية الإلهاء: هل توقيت الحكم مقصود؟

 

لا يمكن تجاهل فرضية أن هذه القضية تُستخدم كأداة لإلهاء الرأي العام. ففي ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه البلاد، يمكن لقضية بهذا الحجم، بطلها فنان يتمتع بشعبية جارفة ومثير للجدل في آن واحد، أن تستحوذ بسهولة على اهتمام وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي. اختيار شخصية مثل محمد رمضان، المعروف باستعراض الثراء وتحدي السلطات الرمزية، يضمن أن القضية ستتحول إلى "تريند" يطغى على ما عداه من قضايا قد تكون أكثر إلحاحًا بالنسبة للمواطن. وبهذا المعنى، يصبح الحكم القضائي، بغض النظر عن أساسه القانوني، مادة دسمة تستهلك النقاش العام وتوجهه بعيدًا عن الملفات الشائكة، وهو تكتيك سياسي معروف لامتصاص الغضب الشعبي وتشتيت الانتباه.

 

فرضية التضييق: رسالة ردع للفضاء الرقمي

 

على الجانب الآخر، يمثل هذا الحكم رسالة بالغة الوضوح من الدولة بأن الفضاء الرقمي، الذي ظل لسنوات ملاذًا للمبدعين خارج سيطرة الرقابة التقليدية، لم يعد منطقة حرة. إن معاقبة فنان بحجم محمد رمضان، وبسبب أغنية تم نشرها على يوتيوب، تعتبر سابقة قضائية تهدف إلى إرساء قواعد جديدة للعبة. الرسالة الموجهة هنا ليست لرمضان وحده، بل لكل صناع المحتوى: "عصر النشر المباشر دون رقابة قد انتهى". يأتي هذا في سياق أوسع من محاولات الدولة لفرض سيطرتها الكاملة على الفضاء السيبراني، والذي تعتبره امتدادًا للمجال العام الذي يجب أن يخضع لسيادتها وقوانينها. وبهذا، يتحول القانون من أداة لتنظيم الإبداع إلى وسيلة لترويضه وفرض الوصاية عليه، خاصة أن المحتوى الرقمي بطبيعته سريع الانتشار ويصعب السيطرة عليه بالطرق التقليدية.

 

مستقبل الإبداع على المحك

 

من المقرر أن يطعن فريق دفاع محمد رمضان على الحكم أمام محكمة الاستئناف، وقد تسفر الإجراءات القانونية القادمة عن تخفيف العقوبة أو إلغائها أو حتى التصالح. ولكن بغض النظر عن المصير النهائي لرمضان في هذه القضية، فإن الحكم الأول قد أدى غرضه بالفعل: لقد أرسل صدمة عبر المشهد الفني الرقمي في مصر. هذه القضية ستُجبر الفنانين وصناع المحتوى على إعادة حساباتهم، وقد تدفع الكثيرين نحو الرقابة الذاتية خوفًا من مصير مشابه. وهكذا، يقف الإبداع المصري على أعتاب مرحلة جديدة، حيث تتصادم فيها حيوية الفضاء الرقمي مع قبضة الدولة التنظيمية، ويبقى السؤال مفتوحًا حول الثمن الذي سيدفعه الفن والمجتمع جراء هذا الصدام.