في مشهد يعكس التوتر الخفي بين القاهرة والرياض، أطلق تركي آل الشيخ، رئيس هيئة الترفيه السعودية، حملة دعائية ضخمة مدفوعة على منصة “تويتر” (X) للترويج لموسم الرياض، بهدف تصدر الترند العالمي بالتزامن مع افتتاح المتحف المصري الكبير، الذي حظي بزخم إعلامي دولي واهتمام غير مسبوق.
وبحسب متابعين، فإن الحملة كانت محاولة واضحة لإزاحة الافتتاح المصري من صدارة محركات البحث والمنصات الاجتماعية، لتتحول المنصات الرقمية إلى ساحة صراع ناعم بين البلدين، تخللها سيل من الإساءات من حسابات سعودية مجهولة تجاه مصر والمتحف وقائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي.
حملة مدفوعة بملايين الريالات لتصدر “موسم الرياض” الترند
رصد خبراء السوشيال ميديا موجةً غير طبيعية من الإعلانات الممولة والمنشورات المكررة التي اجتاحت “تويتر” خلال الساعات التي سبقت افتتاح المتحف المصري الكبير، إذ ظهرت آلاف الحسابات — أغلبها سعودية المنشأ — تروّج لوسم “#موسم_الرياض”.
وكشفت تقارير تقنية أن هيئة الترفيه السعودية أنفقت ميزانية إعلانية تجاوزت 10 ملايين ريال سعودي في تلك الحملة، وجرى تنسيقها عبر مؤثرين وإعلاميين لضمان تصدر الوسم عالميًا.
يقول الخبير في الإعلام الرقمي الدكتور حسام عبد العزيز: “الهدف لم يكن فقط الترويج لموسم الرياض، بل كان توقيت الحملة محسوبًا لإزاحة الحدث المصري عن الصدارة، في رسالة سياسية قبل أن تكون دعائية.”
افتتاح المتحف المصري يتحول إلى ساحة هجوم إلكتروني
بينما احتفى المصريون بافتتاح المتحف الذي يمثل أعظم صرح حضاري في العصر الحديث، تحولت المنصات الرقمية إلى ساحة هجوم منسق. فبدلاً من النقاش حول عظمة الحدث، انطلقت تغريدات سعودية تسخر من التاريخ المصري وتنتقص من رموزه، مستخدمة عبارات مسيئة مثل “الملك حمار يقف شامخًا بالمتحف المصري”، في تعبير فجّ عن ازدراء ثقافي.
الصحفي محمد عابدين قال: “الذباب الإلكتروني السعودي تجاوز المنافسة الدعائية إلى الإهانة الممنهجة، بهدف تقزيم أي إنجاز مصري وتحويل النقاش إلى مادة للسخرية.”
إهانات مباشرة للسيسي وصمت حكومي مصري
لم تتوقف الحملة عند حدود الحضارة المصرية، بل امتدت إلى رأس النظام نفسه. إذ تداولت مئات الحسابات السعودية تغريدات تتضمن رسوماً كاريكاتورية مهينة لقائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، تصفه بعبارات لاذعة مثل “حارس المتحف” و”تمثال جديد بلا روح”، إلى جانب صور مركبة تسخر من ظهوره في الافتتاح.
اللافت أن هذه الإهانات صدرت من حسابات بعضها موثّق ويتبع لإعلاميين سعوديين مقرّبين من هيئة الترفيه.
حيث كتب الصحفي السعودي طارق نواب " معالي المستشار #تركي_آل_الشيخ أنجز... أنجز... أنجز... وأبهر العالم، حتى أربك الحُسّادَ والمرتزقةَ والأقلامَ المأجورة. وكما قال سموّ الأمير تركي الفيصل القافلة تسير بثبات، ولا يوقفها نباحُ الحاقدين."
معالي المستشار #تركي_آل_الشيخ أنجز... أنجز... أنجز... وأبهر العالم، حتى أربك الحُسّادَ والمرتزقةَ والأقلامَ المأجورة.
— طارق محمود نواب (@tariqmnawab) November 2, 2025
وكما قال سموّ الأمير تركي الفيصل
القافلة تسير بثبات، ولا يوقفها نباحُ الحاقدين.@Turki_alalshikh pic.twitter.com/8rFFdFnI3o
يقول الباحث في شؤون الإعلام العربي الدكتور أحمد الباز:“ما حدث ليس مجرد تراشق إلكتروني، بل حملة منظمة تستهدف التقليل من هيبة الدولة المصرية ورئيسها، وسط صمت مريب من الجهات الرسمية التي لم تصدر أي بيان احتجاج أو ردّ سياسي واضح.”
ويضيف أن “السكوت المصري على هذه الإساءات يرسل رسالة ضعف، ويكشف عن خلل في إدارة العلاقات العامة والسياسية مع الرياض”.
خلاف سياسي مكتوم ينعكس على المشهد الإعلامي
ورغم غياب تصريحات رسمية من القاهرة أو الرياض، فإن المؤشرات كلها تشير إلى أن الحملة تأتي في ظل توتر مكتوم بين البلدين حول ملفات اقتصادية واستثمارية، حيث تلوّح السعودية بمراجعة استثماراتها، فيما ترى مصر أن الرياض تمارس ضغطًا سياسيًا باستخدام الإعلام والذباب الإلكتروني.
الخبير السياسي أيمن سمير يؤكد: “تحركات تركي آل الشيخ ليست بريئة، بل تعبّر عن توجه سعودي جديد للهيمنة الإعلامية في المنطقة. القاهرة تدرك ذلك لكنها تفضل الصمت تفاديًا للتصعيد.”
ونشر الاعلامي محمد ناصر " ناصر: خناقة للركب بين لجان السيسي الإلكترونية وبين تركي آل الشيخ بسبب افتتاح المتحف المصري الكبير!!".
ناصر: خناقة للركب بين لجان السيسي الإلكترونية وبين تركي آل الشيخ بسبب افتتاح المتحف المصري الكبير!! pic.twitter.com/Os0wLPNF37
— قنــــاة مكملين - الرسمية (@MekameleenMk) November 2, 2025
وعلق الإعلامي أسامة جاويش بنشر فيديو بعنوان " بالصور والأدلة .. سر غضب المستشار السعودي تركي آل الشيخ بسبب افتتاح المتحف المصري الكبير/ تفاصيل".
بالصور والأدلة .. سر غضب المستشار السعودي تركي آل الشيخ بسبب افتتاح المتحف المصري الكبير/ تفاصيل pic.twitter.com/wVFZvZrFli
— Osama Gaweesh (@osgaweesh) November 3, 2025
بين موسم الرياض والمتحف المصري.. معركة هوية عربية
الصراع بين "الترفيه السعودي" و"الحضارة المصرية" تجاوز كونه تنافسًا على التريند، ليصبح مواجهة رمزية حول من يقود المشهد العربي: المال أم التاريخ؟ وبينما تراهن الرياض على الإنفاق الضخم والدعاية، تراهن القاهرة على إرثها الحضاري الممتد. لكن الإهانات التي طالت السيسي والمتحف تكشف أن “الحرب الناعمة” خرجت عن حدود اللياقة، وتحولت إلى معركة كبرياء وطنية دون رد رسمي من الطرف المصري.
وفي النهاية تحوّل افتتاح المتحف المصري الكبير من لحظة فخر قومي إلى اختبار حقيقي لهيبة الدولة المصرية. فبينما ضخ تركي آل الشيخ ملايين الريالات ليحوّل موسم الرياض إلى الترند الأول، وجّه الذباب الإلكتروني السعودي إهانات صريحة لمصر وقائد الانقلاب السيسي، وسط غياب أي رد من الحكومة. والمفارقة أن المتحف الذي يخلّد ملوك مصر العظام، صار عنوانًا لمعركة رقمية أهانت الحاضر المصري أكثر مما مجّدت ماضيه.

