في تحليل لاذع ومكثف، لخص الدكتور رفيق عبد السلام، وزير الخارجية التونسي الأسبق، المشهد السياسي والاقتصادي في مصر، متخذًا من عودة رجل الأعمال أحمد عز إلى واجهة الأحداث مثالاً صارخًا.
يرى عبد السلام أن رموز نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، الذين طردتهم ثورة 25 يناير، قد عادوا في حقبة قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي ليس كمتهمين، بل كـ "أبطال مسلحين بالمال والنفوذ مجدداً".
هذه العودة، التي وصفها عبد السلام بـ "إحياء كل رجال العصابة من مرقدهم"، لا تمثل مجرد تراجع عن مكتسبات الثورة، بل تكشف عن سياسة ممنهجة لإعادة تشكيل المشهد الاقتصادي والسياسي لصالح فئة محددة، في تناقض صارخ مع الأوضاع المعيشية المتردية لغالبية المصريين.
عودة "رجال العصابة": إجهاض مكتسبات يناير
كانت ثورة 25 يناير 2011 قد وضعت حدًا لهيمنة رجال الأعمال المقربين من السلطة، وعلى رأسهم أحمد عز، الذي كان يجمع بين النفوذ السياسي (أمين تنظيم الحزب الوطني) والسيطرة الاقتصادية (إمبراطورية الحديد والصلب). لكن، ووفقًا لتحليل عبد السلام، فإن حقبة السيسي شهدت عملية "إحياء" لهؤلاء الرموز.
هذه العودة لم تكن عفوية، بل كانت جزءًا من سياسة النظام التي تهدف إلى:
- تصفية حسابات الثورة: إظهار أن الثورة لم تحقق شيئًا، وأن رموز النظام القديم كانوا الأكفأ والأجدر بإدارة الاقتصاد.
- الاعتماد على شبكات النفوذ القديمة: استغلال خبرة هذه الرموز وشبكات علاقاتهم الواسعة في إدارة قطاعات حيوية، مما يضمن ولاءهم المطلق للنظام الجديد.
- تأمين الغطاء الاقتصادي: توفير غطاء اقتصادي قوي للنظام عبر رجال أعمال يمتلكون القدرة على المناورة في السوق المحلية والدولية.
التناقض الصارخ: "رائدا فضاء في بحر الفقر"
يستخدم الدكتور عبد السلام تشبيهًا بليغًا لوصف التناقض الطبقي في مصر، حيث تحول أحمد عز وزوجته إلى "رائدي فضاء بالغي الثراء وبلباس رواد الفضاء"، بينما يغرق بقية الشعب في "بحر من الفقر والعوز".
هذا التشبيه يركز على:
- العزلة الطبقية: فئة قليلة تعيش في مستوى من الثراء الفاحش والترف، معزولة تمامًا عن واقع الأغلبية.
- الاستفزاز البصري: الثراء المتباهي به (لباس رواد الفضاء) في ظل أزمة اقتصادية خانقة يعاني فيها المواطن من نقص الأدوية وارتفاع الأسعار وتدهور الخدمات.
إن هذا التناقض ليس مجرد فجوة طبقية، بل هو نتيجة مباشرة لسياسات النظام التي تخدم مصالح هذه الفئة القليلة، وتمنحها التسهيلات والامتيازات على حساب العدالة الاجتماعية التي كانت أحد المطالب الرئيسية لثورة يناير.
خيانة الثورة وإعادة إنتاج الاستبداد
يؤكد تحليل عبد السلام أن سياسات السيسي تمثل إجهاضًا كاملاً لأهداف ثورة 25 يناير. فبدلاً من بناء دولة العدالة الاجتماعية وتفكيك شبكات الفساد، قام النظام بإعادة إنتاج نفس الهياكل القديمة، ولكن تحت غطاء جديد.
إن تحويل "رجال العصابة" إلى "أبطال مسلحين بالمال والنفوذ مجدداً" يرسخ فكرة أن المال والسلطة هما القوة الحاكمة، وأن المحاسبة والعقاب لا تطبق إلا على المعارضين السياسيين. هذا المسار يضمن استمرار الاستبداد الاقتصادي والسياسي، ويقضي على أي أمل في التغيير الحقيقي.
ختاما فتغريدة الدكتور رفيق عبد السلام ليست مجرد تعليق عابر، بل هي تشخيص دقيق لحالة مصر، حيث تم استبدال شعارات الثورة بـ "أزياء رواد الفضاء" التي يرتديها رموز الفساد القدامى. إن إعادة تأهيل هؤلاء الرموز، ومنحهم النفوذ مجددًا، يؤكد أن النظام الحالي يرى فيهم شركاء أساسيين في حكم البلاد، حتى لو كان الثمن هو إغراق الشعب في بحر من الفقر والعوز، وتكريس مبدأ أن الثراء والنفوذ هما الحصانة الوحيدة ضد القانون.
المصدر: تغريدة الدكتور رفيق عبد السلام:
https://x.com/RafikAbdessalem/status/1984865984058978771

