في قرار مثير للجدل، أصدر مصطفى مدبولي، رئيس مجلس وزراء قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي، القرار رقم 3280 لسنة 2025، بنزع ملكية 89 عقارًا وقطعة أرض بمحافظة الإسكندرية، بزعم "المنفعة العامة"، لتنفيذ مشروع تطوير محور محمد نجيب.

 

القرار أعاد إلى الواجهة تساؤلات قديمة متجددة حول العلاقة بين التنمية وحقوق المواطنين، وأثار غضبًا واسعًا بين السكان المتضررين، الذين يرون أن الدولة ماضية في سياسات الإزاحة دون توفير بدائل حقيقية أو تعويضات منصفة.

 

إغلاق شوارع رئيسية وتعطيل يومي للحياة

 

لم تكتف السلطات بقرارات النزع، بل شرعت في تنفيذ إجراءات ميدانية تعرقل الحياة اليومية للسكان. فقد أعلنت محافظة الإسكندرية عن إغلاق شارع محمد نجيب بالكامل من اتجاه شارع ملك حفني (بحري المترو) حتى شارع جمال عبد الناصر، بطول يقدر بـ 400 متر، مع توفير حارة مرورية واحدة بعرض 3 أمتار فقط.

 

كما تم إغلاق مداخل ومخارج النفق القائم، للبدء في أعمال الجزء القبلي من كوبري محمد نجيب. تزامن ذلك مع إغلاق شارع ملك حفني قبلي المترو من مدخل النفق عند دربالة وحتى مدخله من ناحية سيدي بشر، بطول 640 مترًا، ما أدى إلى شلل شبه كامل في الحركة المرورية، وتضرر قطاعات واسعة من السكان.

 

600 مليون جنيه: هل تكفي لتعويض ما لا يُعوّض؟

 

وفقًا لما نُشر في الجريدة الرسمية، حُدّدت قيمة التعويضات المبدئية للمتضررين من قرارات نزع الملكية بـ نحو 600 مليون جنيه.

 

ورغم أن الرقم يبدو كبيرًا ظاهريًا، إلا أن غياب الشفافية حول آليات التقييم وتحديد القيمة السوقية الفعلية يثير شكوكًا كبيرة حول عدالة هذه التعويضات، خاصة في ظل الارتفاع الحاد في أسعار العقارات بالإسكندرية، وعشوائية التقدير في مثل هذه الحالات سابقًا.

 

قائمة المتضررين: منازل، مستشفيات، ومخابز

 

تكشف الكشوف الرسمية المرفقة بالقرار عن خريطة واسعة للملكيات المستهدفة.

 

في شارع مصطفى كامل، سيجري نزع ملكية 71 عقارًا متنوعًا بين مبانٍ سكنية وأراضٍ فضاء، بعضها يتبع لمستشفى سانت تريزا، فضلًا عن ممتلكات أخرى لمواطنين.

 

أما في شارع 24، فتشمل القائمة 18 عقارًا وقطعة أرض، من بينها موقع مخصص لمحطة صرف صحي، إضافة إلى مخبزين يخدمان مئات من أهالي المنطقة.

 

القرار يطال إذًا منشآت خدمية حيوية، وليس فقط ممتلكات خاصة، مما يطرح علامات استفهام حول أولوية المشاريع ومراعاتها لاحتياجات المجتمع المحلي.

 

المشروع في سطور: تطوير مروري أم إزالة مجتمعية؟

 

المشروع الحكومي المسمى "تطوير محور محمد نجيب" يشمل إنشاء محور مروري جديد يمتد من الكورنيش حتى شارع مصطفى كامل، ويتضمن:

 

إنشاء كوبري علوي أعلى طريق جمال عبد الناصر.

 

تحويل مسار خط مترو "أبو قير" إلى مسار علوي بديلًا عن النفق الحالي.

 

إنشاء كباري علوية فوق شارع مصطفى كامل لربط المحور بشارع أمين حسونة وميدان الساعة.

 

إزالة المباني المخالفة والتعديات، دون توضيح ما إذا كانت تلك الإزالات تشمل ملكيات قانونية كذلك.

 

وتقول الحكومة إن المشروع يستهدف تخفيف الزحام وتسهيل الحركة بين شرق وغرب المدينة، بينما لا تذكر شيئًا عن خطط توطين أو تعويضات عادلة للمهجّرين.

 

من دون حوار مجتمعي أو ضمانات قانونية

 

اللافت أن القرار صدر دون أي حوار مجتمعي أو استبيان لرأي السكان، ودون عرض بدائل سكنية واضحة أو جداول زمنية للتعويض.

 

كما يمنح القرار وزارة الإسكان، ممثلة في الجهاز المركزي للتعمير، الحق في الاستيلاء المباشر على الأملاك، وهو ما يشكل سابقة قانونية خطيرة تتجاوز حتى فترات التفاوض التقليدية أو الإشراف القضائي الكامل على إجراءات نزع الملكية.

 

هل يمكن للتنمية أن تتم دون سحق الناس؟

 

في أغسطس الماضي، دشنت الحكومة افتتاح كوبري محمد نجيب على طريق البحر، كخطوة أولى في المشروع، تمهيدًا لإلغاء إشارات مرورية رئيسية مثل إشارة سيدي بشر.

 

لكن الإنجاز العمراني، الذي يُقدَّم في الإعلام كنقلة نوعية، يُقابله هدم فعلي لمجتمعات قائمة، وتشريد محتمل لعشرات الأسر، وفقدان مصادر رزق يومية.

 

ويبقى السؤال الأهم:

 

هل يجوز للحكومة أن تُقدّم "المنفعة العامة" كذريعة لإزاحة الناس من بيوتهم دون شفافية أو تعويض عادل؟

 

وهل تُقاس التنمية بعدد الكباري التي تُبنى، أم بعدد المواطنين الذين يحتفظون بكرامتهم ومنازلهم؟