برزت تساؤلات في الآونة الأخيرة حول أسباب الصمت المصري إزاء التصعيد الأخير في السودان، مع سيطرة قوات الدعم السريع المدعومة من الإمارات، بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، على مدينة الفاشر الاستراتيجية، أكبر مدن إقليم دارفور، وارتكاب سلسلة من المذابح فيها، بعد نحو عام ونصف من فرض حصار مشدد عليها، بدعوى خرق الجماعات المسلحة الموالية للحكومة السودانية في إقليم دارفور بـ"خرق تعهداتها بعدم المشاركة في الحرب" إلى جانب أي من طرفيها.
واستحوذت التطورات الأخيرة على كثير من الجدل عبر منصات التواصل الاجتماعي، في ضوء مقاطع الفيديو المتداولة وتظهر مسلحين من ميليشيا الدعم السريع، وهي تمارس القتل بدم بارد في أوساط سكان مدينة الفاشر، الأمر الذي أثار موجة من التنديد تجاه تلك الممارسات بحق المدنيين، في خضم الصراع المسلح الذي يشهده السودان منذ سنوات.
دعم الجيش الحكومي
وتساءل البعض لماذا لا تقف مصر إلى جانب القوات الحكومية كما فعلت في مناطق أخرى من البلاد في العام الماضي، حين تناقلت تقارير ووسائل إعلامية معلومات عن دخول القاهرة طرفًا في تلك الحرب من خلال تزويد الخرطوم بجنود وطائرات كانت لها الكلمة العليا في دحر تقدم قوات الدعم السريع إلى العاصمة الخرطوم ومناطق حيوية أخرى.
وفي 9 أكتوبر 2024، خرج حميدتي ليشن هجومًا عنيفًا على مصر، محمّلًا إياها المسؤولية عن الإخفاقات التي تعرضت لها قواته آنذاك، بخاصة في منطقة جبل موية الإستراتيجية بولاية سنار، ومضى إلى ما هو أكثر من ذلك بتهديدها من خلال إعلانه القبض على بعض الجنود المصريين، وفرض عقوبات على التجار في المناطق الخاضعة لسيطرة قواته في حال تصديرهم أي منتجات "للعدو" (مصر).
وفي يوم 12 أكتوبر، صدر تحذير من جانب الدعم السريع لمصر بعدم التدخل حمايةً لأرواح ما قال إنهم "أسرى من الجيش المصري" في حوزة ميليشيا حميدتي، تم وصفهم بأنهم "مرتزقة مصريون".
وجاءت التصريحات بعد فشل قوات الدعم السريع في إحكام السيطرة بشكل كامل على إقليم دارفور في الغرب، وإمكانية تحقيق انفصاله عن الكيان الأم حال فشلها في الوصول إلى الحكم في الخرطوم.
الطيران المصري
وعلى الرغم من نفي الخارجة المصرية آنذاك اتهامات حميدتي، لكن هذا لا ينفي حقيقة الدعم المصري للجيش السوداني، والذي لعب دورًا حاسمًا في تكبيد قوات الدعم السريع خسائر على الأرض، والذي لايمتلك الميزة النسبية التي يتمتع بها الجيش السوداني، وهي التفوق الجوي، والذي جاء عن طريق الطائرات المصرية.
وكان ذلك - بحسب مراقبين- بسبب رفض حميدتي التوصل إلى أية حلول سياسية تضع حدًا للصراع الدموي بين أبناء البلد الواحد، وعلى الرغم من عرض مصر التوسط لحلول بين الطرفين، بخاصة وأن الصراع في السودان يهدد بقوة الأمن المصري، مع تعلق باستمرار تدفق اللاجئين، وتقارب قائد الدعم السريع مع إثيوبيا – غريمة مصر – والتي شيدت سد النهضة على نهر النيل على الرغم من الرفض المصري.
لكل هذا، بتساءل البعض عن سبب عدم تدخل مصر حتى الآن لوضع حد لما يحدث في الفاشر، بخاصة وأنه يهدد بتقسيم السودان فعليًا، في ظل السيطرة الكاملة للدعم السريع على إقليم دارفور، مما قد يغري حميدتي بعد السيطرة على آخر معاقل الجيش في دارفور، إلى إعلان الانفصال عن الحكومة المركزية في الخرطوم، وإقامة دولة على أراضي هذا الإقليم.
خطر كبير على مصر
ويقول محللون، إن هذا التطور الأخير في الفاشر يشكل تهديدًا خطيرًا لمصر على جميع المستويات، ويُفاقم التحديات الإقليمية التي تواجهها، مما قد يدفعها في النهاية إلى اتخاذ خطوات أكثر جرأة لدعم الجيش السوداني وضمان وقف الدعم الإقليمي لقوات الدعم السريع.
وبينما تجد مصر نفسها أمام خيارات صعبة في التعامل مع الأزمة السودانية، قد يكون التدخل الحاسم ضروريًا لحماية المصالح المصرية والإقليمية. فضمان استقرار السودان ليس ضرورة إنسانية فحسب، بل عامل استراتيجي أيضًا للحفاظ على أمن مصر وأمن جنوب البحر الأحمر في ظل التعقيدات الإقليمية والدولية المتزايدة.
علاوة على وقف نزوح اللاجئين إلى مصر، فمنذ اندلاع الحرب الأهلية التي اندلعت في أبريل 2023، اضطرح ما يقرب من 10 ملايين شخص ترك منازلهم، ولجأ عشرات الآلاف منهم إلى مصر، كما أدت إلى تفشي الجوع على نطاق واسع، إضافة إلى موجات من العنف العرقي.

