في تصريح جديد يثير الاستفزاز ويعكس حجم الانفصال عن الواقع العربي، وصف أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، ما جرى في 25 يناير 2011 بأنه "مأساة"، معتبرًا أن "المستفيد الوحيد من الربيع العربي هو إسرائيل".

 

التصريح الذي جاء خلال لقاء تلفزيوني، لم يكن زلة لسان، بل كان امتدادًا لخط سياسي يتبناه أبو الغيط منذ سنوات، قائم على تشويه الحراك الشعبي العربي، وتبرير الاستبداد، والترويج لروايات تُكرّس الهزيمة والانبطاح وتدعم القمع والانقلاب.

 

وبدلًا من أن يكون صوتًا معبرًا عن الشعوب العربية وتطلعاتها، يواصل أبو الغيط دوره كرجل النظام القديم، بل وكمتحدث غير رسمي باسم الانقلاب والداعمين له في المنطقة، على قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، الذي اعتاد مرارا وتكرارا مهاجمة ثورة يناير وتحميلها نتيجة فشله السياسي والاقتصادي

 

هجوم مفضوح على الثورة.. ومكافأة للفشل

 

تصريحات أبو الغيط الأخيرة ليست مفاجئة. فمنذ إسقاط نظام حسني مبارك، الذي خدمه كوزير خارجية حتى اللحظة الأخيرة، لم يُخفِ عداءه لثورة يناير، بل يعتبرها حتى اليوم سببًا لكل الكوارث، متجاهلًا أن من صنعوا الثورة هم أبناء الشعب، الذين خرجوا بحثًا عن العدالة والكرامة بعد عقود من الفساد والاستبداد.

 

وبدلًا من مراجعة الذات أو فهم مطالب الجماهير، يواصل أبو الغيط تحميل الضحايا مسؤولية الخراب الذي صنعه الاستبداد.

 

بل وصل به الأمر إلى تصوير إسرائيل كـ"المستفيد الوحيد"، في تبرئة مجانية لكل الأنظمة التي قمعت شعوبها، وأشعلت الحروب الأهلية، وأفشلت الربيع العربي بإصرارها على البقاء مهما كانت الكلفة.

 

أين كانت الجامعة العربية عندما كانت الشعوب تُذبح؟

 

الأكثر سخرية أن هذه التصريحات تصدر عن رجل يقود مؤسسة فقدت كل وزنها الإقليمي والدولي.

 

منذ تولّي أبو الغيط الأمانة العامة للجامعة العربية، تحوّلت الجامعة إلى ظل باهت، عاجزة عن اتخاذ أي موقف حاسم في أزمات سوريا واليمن وليبيا وفلسطين.

 

لم تصدر عن الجامعة إدانة واضحة للعدوان الإسرائيلي على غزة في مايو 2021.

 

لم تتحرك لوقف الحرب في السودان رغم الكارثة الإنسانية الكبرى.


لم تكن طرفًا في أي عملية وساطة فاعلة في ليبيا أو اليمن.


وبدلًا من أن تكون مؤسسة جامعة، تحوّلت الجامعة العربية إلى مجرد منصة لمواقف الدول الخليجية الكبرى، أو غطاء رسمي لتبرير الصمت، تحت قيادة أمين عام يعتبر "الاستقرار أهم من الديمقراطية"، حتى لو كان ذلك على جثث آلاف الأبرياء.

 

انسجام مريب مع خطاب السيسي

 

أبو الغيط، المعروف بقربه من الدوائر الأمنية في مصر، يكرر حرفيًا خطاب النظام المصري في تعامله مع ثورة يناير، ويستنسخ نفس المصطلحات: "مؤامرة"، "خراب"، "انهيار الدولة"، وهي العبارات التي تم ترويجها منذ 2013 لتبرير الانقلاب على أول رئيس مدني منتخب في مصر.

 

وفي الوقت الذي تتصاعد فيه موجات التطبيع مع إسرائيل، وتُقتل النساء والأطفال في غزة، لا يتجاوز موقف أبو الغيط سوى بيانات ناعمة تفتقر إلى الفعل أو حتى الغضب الرمزي.

 

ولا غرابة، فالرجل الذي وقف ضد قرار محاكمة إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية، لا يُتوقع منه الدفاع عن أي قضية وطنية أو إنسانية، ما لم تأتِ التوجيهات بذلك.

 

رجل النظام القديم في موقع جديد

 

لا يزال أبو الغيط، رغم تقدمه في السن، يحمل نفس ذهنيّة وزير خارجية نظام مبارك: التبرير، الإنكار، الدفاع عن الوضع القائم، والخوف المرضي من أي تغيير.

 

وهو ما يفسّر فشل الجامعة في أن تكون طرفًا فاعلًا في أي تحول سياسي في المنطقة، حيث أصبحت مؤسسة تحتضر معنويًا وسياسيًا، في وقت تحتاج فيه الشعوب العربية إلى صوت عربي جامع.

 

من يمثل أبو الغيط؟

 

إذا كان أمين عام الجامعة العربية يرى ثورة يناير "مأساة"، ويعتبر إسرائيل "المستفيد الوحيد" من مطالب الحرية، فمن الطبيعي أن نفهم لماذا فقدت هذه الجامعة أي قدرة على التأثير، ولماذا أصبحت مجرد صدى لصوت الحكومات، لا الشعوب.

 

أبو الغيط لا يمثل طموحات العرب، ولا حتى مواقف الحد الأدنى من القيم المشتركة. بل هو مجرد امتداد لعصر تجاوزه التاريخ، يحاول تلميع الاستبداد باسم الواقعية، ويُبرّر الصمت باسم الدبلوماسية.

 

وحين يصمت عن الدم، ويهاجم الحرية، فإن السؤال الحقيقي لم يعد عن "تصريح مستفز"، بل عن شرعية من يتحدث باسم العرب، وهو لا يرى في شعوبهم سوى "مصدر للفوضى" و"مأساة".