في وقت يحتفل فيه المغرب بتحقيق إنجاز تاريخي في عالم الرياضة، تبرز مقارنة حادة بين نموذجين رياضيين: المغرب الذي يستثمر في التخطيط المؤسسي المستدام، ومصر التي تفتقر إلى استراتيجيات واضحة وتتعثر في تطبيق الحوكمة الرياضية. نجاح المغرب في تحقيق لقب كأس الأمم الأفريقية على مستوى منتخبات الشباب يُعد مثالًا حيًا على قيمة الاستثمارات طويلة الأمد والنهج المنظم في بناء المواهب، بينما تكافح مصر للتغلب على عثراتها الرياضية بسبب قرارات مرتجلة وإدارة غير فعّالة.
النجاح المغربي: نموذج للتخطيط والتنمية المستدامة
أشار تقرير فيفا وكاف إلى الفوز التاريخي للمغرب على الأرجنتين في نهائي بطولة تشيلي، حيث نجح المنتخب المغربي في الفوز 2-0 بفضل الأداء المتميز للاعب ياسير زبيري. ما يميز هذا النجاح هو النهج المنظم والمستدام الذي اعتمدته المملكة المغربية، بدءًا من أكاديمية محمد السادس إلى تعزيز برامج التطوير للفرق الأولمبية والشبابية. قدمت BBC إشادةً بكون المغرب أول منتخب عربي يُتوج باللقب وثاني منتخب أفريقي بعد غانا، مشيرة إلى أن هذا الإنجاز هو نتاج تخطيط طويل الأمد وجهد متواصل في تطوير البنية الرياضية. الدرس الرئيسي الذي يجب أن يتعلمه الجميع هو أن التخطيط المدروس والحوكمة الجيدة هما الأساس لتحقيق القفزات النوعية في الرياضة، وليس الضجيج الإعلامي أو العشوائية.
سقوط منتخب مصر تحت 20 عاماً: اختيارات غائبة والتخبط في الإدارة
في المقابل، فشل منتخب مصر للشباب تحت 20 عامًا في الوصول إلى المراحل المتقدمة من البطولة، حيث ودع المنافسات في المركز الثالث في مجموعته وفشل في التأهل ضمن أفضل الثوالث بعد سلسلة من الارتباكات في حسابات فارق الأهداف. النقد اللاذع طال المدرب أسامة نبيه، الذي تعرّض لانتقادات شديدة على اختياراته التكتيكية وفشل الفريق في الأداء الجيد في المباريات، لا سيما في اللقاءات أمام اليابان ونيوزيلندا. كان الأداء ضعيفًا طوال البطولة، وتوقع المراقبون الإقصاء المبكر، وهو ما جعل الصحف المحلية تتداول الأخبار التي تفيد بأن قرارًا قد اتخذ بإبعاد الجهاز الفني.
الرياضة المصرية: حوكمة مختلة وغياب المساءلة
وفي خطوة إضافية تعكس ضعف الحوكمة في الرياضة المصرية، قررت وزارة الرياضة إيقاف مجلس إدارة نادي الإسماعيلي وإحالته إلى النيابة العامة بسبب مخالفات مالية وإدارية، في سابقة توضح مدى الترهل المؤسسي الذي يعاني منه النظام الرياضي في مصر. كما ألغت رابطة الدوري المصري الهبوط للموسم القادم، مما أدى إلى تساؤلات واسعة حول نزاهة المنافسة وعدالة الإجراءات. هذه القرارات، التي بدت كحلول إسعافية، تعمق من فقدان الثقة بين الجمهور واللاعبين والمسؤولين الرياضيين.
هجرة المواهب المصرية: الفشل في توفير بيئة احترافية
من جهة أخرى، شهدت الرياضة المصرية هجرة العديد من المواهب، حيث أعلن المصارع الأولمبي محمد إبراهيم "كيشو" تمثيله للولايات المتحدة بعد اعتزال مؤقت احتجاجًا على ضعف الدعم والتقدير. تحول كيشو إلى رمز لجيل من الرياضيين الذين يبحثون عن فرص أفضل خارج الحدود بسبب غياب الاستقرار المهني في مصر. مثل هذه الظاهرة امتدت لتشمل رياضيين آخرين، مثل الشطرنجية شروق وفا التي أعلنت تمثيل إيرلندا، مما يعكس عزوف المواهب عن البقاء في بيئة تفتقر إلى الدعم الكافي.
ثقافة رياضية مضطربة: التوتر في المنافسات المحلية
أما في المنافسات المحلية، فقد تحول اشتباك بين لاعبي تنس الطاولة عمر عصر ومحمود أشرف حلمي إلى فضيحة إعلامية، حيث ظهرت اتهامات بالتحيز بسبب صلة القرابة بين أحد اللاعبين وأعضاء الاتحاد. هذه الحوادث تكشف عن بيئة رياضية لا توفر العدالة ولا تضمن التركيز على المنافسات. بالإضافة إلى ذلك، تبين أن المنتخب المصري شارك في البطولة دون وجود طبيب أو معد بدني ثابت، مما يعكس الفوضى في إدارة الفرق وعدم الالتزام بالمعايير المهنية.
الحاجة الملحة للإصلاح في مصر
إذا كانت الرياضة المصرية تسعى لتطوير بنيتها وتحقيق النجاح المستدام، فإن الإصلاح يبدأ أولاً من مراجعة شاملة للحوكمة في الاتحادات الرياضية. يجب فصل السياسي عن الرياضي وربط التمويل العام بمؤشرات أداء قابلة للقياس والنشر، مع فرض الشفافية والمساءلة. كما أن الاستثمار في سلاسل تطوير المواهب من الأكاديميات إلى الاحتراف هو السبيل الوحيد لللحاق بالركب العالمي. إذا توفرت الاستراتيجيات المؤسسية المستدامة، سيكون بمقدور مصر إعادة بناء مسار رياضي ناجح. حتى ذلك الحين، ستظل الانتصارات المغربية مرآة صعبة للرياضة المصرية، وستستمر المواهب في البحث عن بيئة عادلة خارج الحدود.