في كلمة نارية ألقاها من قطاع غزة مساء الخميس، وفي الذكرى الثانية لمعركة “طوفان الأقصى”، أعلن القيادي البارز في حركة حماس خليل الحية، ولأول مرة بشكل رسمي، عن استشهاد القادة الكبار للحركة الذين وصفهم بـ"مفجري الطوفان"، محمّلاً في الوقت ذاته الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية انهيار اتفاقات وقف إطلاق النار السابقة الذي لم يصمد سوى ساعات قليلة، واعلن انتهاء الحرب بشكل تام والبدء في تحقيق مصالح الشعب الفلسطيني.

 

نعي “قادة الطوفان”

في إقرار مباشر، أعلن الحية استشهاد القادة الكبار للحركة، قائلاً: “نحيي شهداءنا من القادة مفجري الطوفان: هنية، العاروري، السنوار، والضيف”. بهذا التصريح، حسمت حماس الجدل الطويل حول مصير رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، ونائبه صالح العاروري، وقائدها في غزة يحيى السنوار، والقائد العام لكتائب القسام محمد الضيف، الذين ظل مصيرهم مجهولاً طوال الفترة الماضية بعد الضربات الإسرائيلية المتواصلة.

 

 

ورغم أن الإعلان يحمل مرارة خسارة هؤلاء قادة في طوفات الأقصى، إلا أن الحية قدّمه بروح الفخر والاعتزاز، مؤكداً أن استشهاد القادة الكبار يمثل "وسام شرف" في معركة غيرت وجه الصراع مع الاحتلال. وقال إن هؤلاء القادة "كتبوا بدمائهم فصلاً جديداً في تاريخ المقاومة"، وإنهم "اختاروا الشهادة على الاستسلام"، في إشارة رمزية إلى استمرار نهجهم في القيادة حتى اللحظة الأخيرة.

 

الاحتلال يتحمّل مسؤولية انهيار الهدن السابقة ويواصل الاستفزاز

وحمّل خليل الحية الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن نسف اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه فجر الخميس، موضحاً أن إسرائيل “لم تكن جادة في التزامها”، وأنها “ماطلت وارتكبت المجازر تلو المجازر وأجهضت جهود الوسطاء مراراً”.

وأشار الحية إلى الغارة الإسرائيلية التي استهدفت منزلاً في حي الصبرة بمدينة غزة بعد ساعات فقط من بدء سريان الهدنة، ما أدى إلى سقوط عشرات الضحايا من المدنيين، معتبراً أن تلك الجريمة دليل قاطع على أن إسرائيل “دخلت الاتفاق بنية الغدر”.

وأكد أن وفد حماس المفاوض تعامل بمسؤولية عالية وحرص على مصالح الشعب، قائلاً: “كما كنا رجالاً في ميادين القتال، كنا رجالاً على طاولة المفاوضات”، في رسالة واضحة للداخل الفلسطيني بأن الحركة لم تتنازل عن ثوابتها رغم الضغوط السياسية والعسكرية.

 

تحية لصمود الشعب والمقاومة

في كلمته، وجّه الحية تحية فخر لصمود الشعب الفلسطيني في غزة، الذي وصفه بـ"الأسطوري" في مواجهة حرب الإبادة التي شنها الاحتلال على القطاع على مدار عامين كاملين. وقال: “شعبنا وقف كالجبال، لم تفتر له عزيمة في وجه القتل والنزوح والجوع”.

كما أشاد بمقاتلي المقاومة الفلسطينية، الذين خاضوا معارك شرسة في مواجهة الجيش الإسرائيلي رغم الفارق الكبير في الإمكانات العسكرية. وأكد أن “المجاهدين قاتلوا من نقطة الصفر، وكانوا كالطود العظيم أمام دبابات الاحتلال”، مضيفاً أن صمودهم وبسالتهم “أفشلوا كل ما خطط له العدو من تهجير وتجويع وصناعة للفوضى في القطاع”.

 

خطاب لمرحلة جديدة

تُعد كلمة خليل الحية بمثابة إعلان لمرحلة جديدة في مسار المقاومة، تعترف فيها الحركة بخسائرها الكبرى على مستوى القيادة، لكنها في الوقت ذاته تعيد التأكيد على استمرارية مشروعها السياسي والعسكري.

فالإعلان عن استشهاد القادة الكبار لا يعني نهاية “الطوفان”، بل يمثل — وفق رؤية الحية — تحولاً في القيادة واستمراراً للمسار المقاوم، مستشهداً بقول الله تعالى: “وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ”.

كما حملت الكلمة رسائل متعددة، أبرزها إلى الاحتلال الإسرائيلي بأن “اغتيال القادة لن يوقف المقاومة”، وإلى الوسطاء الإقليميين والدوليين بأن “التهدئة لا يمكن أن تُفرض بالقوة أو عبر المجازر”. أما الرسالة الأهم، فكانت إلى الشارع الفلسطيني الذي يعيش ظروفاً إنسانية قاسية، مؤكداً أن “الطريق إلى التحرير طويل، لكننا ماضون فيه بثبات”.

في ختام كلمته، شدد الحية على أن “المقاومة لا تُهزم باستشهاد قادتها، بل تزداد صلابة”، مضيفاً أن دماء هنية والعاروري والسنوار والضيف “ستكون وقوداً لمواصلة الطريق نحو القدس”.

وبين الفقد والفخر، رسمت كلمة خليل الحية ملامح مرحلة ما بعد “قادة الطوفان”، مؤكدة أن المشروع المقاوم باقٍ رغم الثمن الباهظ، وأن دماء القادة “أيقظت جيلاً جديداً من المقاومين” يواصل المسير في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، مهما طال الطريق ومهما غلا الثمن.