أثار القانون الجديد الخاص بتحصيل الرسوم على مشروعات الساحل الشمالي جدلًا واسعًا في الشارع المصري، بعدما تم الكشف عن أن شركة "المدن" الإماراتية ، التي حصلت على مشروع ضخم في منطقة رأس الحكمة لن تدفع أي رسوم إضافية على استثماراتها، في الوقت نفسه، وجد المصريون أنفسهم مطالبين برسوم جديدة على أراضيهم ومشروعاتهم السياحية، ما اعتبره كثيرون تكريسًا لسياسة الكيل بمكيالين التي تتبعها الحكومة، وإصرارًا على تحويل حياة المواطن العادي إلى مصدر دائم للجباية، بينما تُفتح الأبواب على مصراعيها أمام المستثمرين الأجانب دون التزامات مالية حقيقية.


جبايات على المواطن وإعفاء للأجنبي

منذ سنوات، تعاني القرى السياحية والمشروعات العقارية في الساحل الشمالي من رسوم متزايدة تفرضها الدولة تحت ذرائعمتعددة، منها التطوير، والخدمات، والصيانة، الملاك المصريون يرون أن هذه الرسوم مجرد إتاوات مقننة تضاف إلى الأعباء المتصاعدة من غلاء المعيشة، وارتفاع أسعار الوقود، وفرض رسوم الطرق والكارتة، وفي المقابل، يأتي القانون الجديد ليمنح المستثمر الأجنبي، مثل "المدن" الإماراتية، إعفاءً كاملاً من هذه الجبايات،وهو ما كشف بوضوح أن الدولة لا تتعامل مع الجميع على قدم المساواة.

 

الخبراء ينتقدون.. منطق الرسوم غير عادل

الدكتور أحمد شلبي،رئيس مجلس العقار المصري، وصف ما حدث بأنه "هزة حقيقية" لقطاع التطوير العقاري، مؤكدًا أن تطبيق الرسوم بأثر رجعي على مشروعات قائمة يعود لثمن تم دفعه بالفعل، أمر"غير عقلاني ويعرّض الاستثمار لارتجاج حقيقي". وطالب بتقنين آليات التطبيق، وتحديد الرسوم بسعر مناسب للقطاع، خصوصًا أن بعض المشاريع باعة وحداتها بالفعل .

على نفس المنوال،حذّر علي عيسى، رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين، من أن فرض الرسوم الجديدة، خاصة بصيغة التنازل التي تتراوح بين 500 و1000 جنيه للمتر، "مقلق جدًا" ويعزّزالمخاطر على مناخ الاستثمار في البلاد؛ لاسيما حين تُطبَّق بأثر رجعي.

كذلك، نبه الخبير العقاري طارق بهاء إلى أن الرسوم ستؤدي إلى زيادة جديدة في أسعار العقارات في الساحل الشمالي، بما تفرضه من ضغوط مالية تضرب حركة البيع، وقد تحول فصل الصيف (ذروة الموسم السياحي) إلى موسم ركود حقيقي.


رأس الحكمة.. مشروع للأغنياء فقط

المشروع الذي يتم الترويج له باعتباره"نقلة حضارية" في رأس الحكمة، يرسخ واقعًا صارخًا: مصر تُسلَّع لصالح رأس المال الأجنبي، بينما يُقصى المواطن المصري من الاستفادة من موارده، أسعارالوحدات الخيالية في هذه المشروعات، مقترنة بإعفاء المستثمر الأجنبي من الرسوم، تعني أن الأراضي الساحلية لم تعد ملكًا للمصريين، بل تحولت إلى جزر منعزلة للأثرياء والمستثمرين، في حين لا يحصل أصحاب الأراضي الأصليين أو المستهلك المصري على أي حماية أو دعم من الحكومة، بل يُحمَّل وحده تكلفة كل شيء.

 

حكومة بلا رؤية.. فقط جباية

اللافت أن الحكومة لم تقدم حتى الآنخطة واضحة للاستفادة من هذه الرسوم في تحسين البنية التحتية أو دعم السكان المحليين. كل ما يظهر للمصريين هو سلسلة من القرارات المالية التي تنهك جيوبهم: من رسوم التعليم والصحة والطرق إلى الضرائب غير المباشرة وأسعار الكهرباء، بينما في المقابل، يُغدق النظام الامتيازات على الشركات الخليجية التي تحصل على الأراضي بسعر زهيد، وتُعفى من أي جبايات إضافية، ليصبح المواطن المصري ممولًا لصفقات الأثرياء دون أن يملك حق الاعتراض.

 

وطن للبيع والمواطن خارج الحسابات

قرار إعفاء "المدن"الإماراتية من الرسوم في رأس الحكمة ليس مجرد استثناء إداري، بل هو تجسيد لسياسة الدولة في السنوات الأخيرة: تحميل المواطن كل الأعباء المالية، وبيع ثروات مصر ومقدراتها للأجانب دون مقابل يذكر. هذا التناقض يطرح سؤالًا جوهريًا: لمنتُدار مصر اليوم؟ هل لصالح شعبها، أم لصالح المستثمرين المقربين من السلطة؟

ما يجري في الساحل الشمالي رسالة واضحة: المصري مطالب بدفع الفاتورة دائمًا، أما الأجنبي فله الامتيازات والفرص الذهبية، وهو ما يجعل الحديث عن "تنمية عادلة" أو "استثمار لصالح الوطن" مجرد شعارات فارغة لا تخفي حقيقة أن الدولة تدار بمنطق الجباية من الشعب والبيع للأثرياء.