رغم تصريحات رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي المتكررة بشأن "انخفاض الأسعار تدريجيًا" و"اقتراب انفراجة اقتصادية"، ورغم تراجع سعر الدولار الرسمي مقارنة بذروته في شهور الأزمة، لا تزال الأسواق المصرية تشهد أسعارًا مرتفعة للسلع الأساسية والمنتجات الاستهلاكية، وسط تساؤلات مشروعة من الشارع ومراقبين: لماذا لا تنخفض الأسعار؟ وهل هناك مَن يفتعل الأزمات لتحقيق مكاسب على حساب معاناة المصريين؟

 

واقع السوق يناقض الروايات الرسمية

منذ مطلع عام 2024، أعلن البنك المركزي المصري بدء تحسن الجنيه أمام الدولار، مدعومًا بحزم تمويل خليجية واستثمارات أجنبية، ما أدى لتراجع سعر الدولار الرسمي من نحو 52 جنيهًا إلى ما يقارب 48 جنيهًا بنهاية يوليو 2025.

هذا التراجع، بحسب القواعد الاقتصادية المتعارف عليها، كان من المفترض أن يصحبه انخفاض في أسعار السلع المستوردة والمحلية المرتبطة بالدولار.

إلا أن الأسعار استمرت في الصعود أو ثبتت عند مستوياتها المرتفعة. فكيلو الأرز لا يزال يتجاوز 30 جنيهًا، ولتر الزيت تجاوز 70 جنيهًا، وسعر الدواجن المجمدة ما زال أعلى من 90 جنيهًا للكيلو، رغم تأكيدات رئيس الوزراء بأن أسعار السلع الأساسية ستعود إلى ما كانت عليه قبل الأزمة.

 

"السوق تحت رحمة الاحتكار، والحكومة شريك في الأزمة"

يرى معارضون واقتصاديون مستقلون أن استمرار غلاء الأسعار رغم انخفاض الدولار يؤشر إلى "خلل هيكلي في الاقتصاد وغياب الرقابة الفعلية"، ويحمّلون النظام الحالي مسؤولية ما وصفوه بـ"فوضى السوق وغياب الشفافية".

الخبير الاقتصادي المعارض الدكتور أحمد ذكر الله قال في تصريحات نشرها عبر صفحته على فيسبوك: "الدولار انخفض على الورق فقط، لكن السوق الحقيقية لا تعترف بهذه الأسعار، بسبب استمرار السوق السوداء، وتعطّل سلاسل الإمداد، واحتكار شركات تابعة للجيش وجهات سيادية للسلع الاستراتيجية".

https://www.facebook.com/Dr.ZakrAllah/posts/XXXX

أما الناشطة السياسية رشا الحسيني فكتبت في تغريدة على منصة "إكس" (تويتر سابقًا):

 "الأسعار مش بتنزل، لأن مفيش سوق حر فعلي، مفيش منافسة. في دولة بتمسك في كل حاجة وبتحدد الأسعار لمصلحتها، مش للمواطن".

https://x.com/RashaH_FreeEG/status/172

 

شهادات من الشارع: "الدولة بتضحك علينا"

في جولة قصيرة لمراسل صحفي بمناطق شعبية بالقاهرة والجيزة، أجمع المواطنون على أن الأسعار لم تنخفض، بل إن بعض السلع ارتفع سعرها رغم وعود الحكومة.

الحاج رضا عبد العظيم (عامل باليومية في منطقة بولاق): "بيقولوا الدولار نزل، طب والرز والزيت ليه غاليين؟ الحكومة مش عايزة تنزل الأسعار، كل حاجة بتغلى بالعافية".

سناء محمد (ربة منزل من إمبابة): "كل يوم نسمع تصريحات في التلفزيون، لكن الحقيقة إحنا مش لاقيين ناكل. يعني الحكومة عايزة تضحك علينا؟".

 

هل تصريحات الحكومة "دعاية سياسية"؟

تعتبر المعارضة أن تصريحات رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ما هي إلا محاولة لتهدئة الشارع دون اتخاذ إجراءات حقيقية لضبط السوق.

الكاتب الصحفي خالد البلشي، نقيب الصحفيين السابق، كتب في مقال له على منصة "مدى مصر": "الحكومة تتحدث وكأنها ليست جزءًا من المشكلة. الحديث عن انفراجة بينما الواقع لا يلمس المواطن هو استخفاف بعقول الناس".

 

الاحتكار وتغييب المنافسة

تشير تقديرات عدد من الاقتصاديين المعارضين إلى أن المشكلة الحقيقية ليست في سعر الدولار بحد ذاته، بل في تركيبة السوق المصرية الخاضعة لهيمنة كيانات شبه حكومية، وغياب المنافسة، واستمرار العمل بـ"أسعار وهمية" في سلاسل الإمداد.

وفي تصريحات قال أحد المحللين الاقتصاديين – رفض ذكر اسمه لأسباب أمنية – إن "أغلب الشركات الكبرى التي تستورد وتوزع السلع تعمل عبر قنوات مغلقة لا تسمح للسوق بالتصحيح الطبيعي، كما أن التسعير يخضع لأجندات سياسية لا علاقة لها بالعرض والطلب".

 

دور الاحتكارات والهيمنة العسكرية

يرى معارضون أن تغوّل المؤسسات السيادية في السوق وامتلاكها شركات عملاقة في الأغذية والتوريد هو السبب في غياب التنافس، وبالتالي عدم التزام السوق بقواعد العرض والطلب.

وقالت منظمة كوميتي فور جستس في تقرير لها عام 2025: "سيطرة الجهات السيادية على مفاصل السوق يمنع أي منافسة حقيقية، ويحوّل الاقتصاد إلى ساحة مغلقة غير خاضعة للمحاسبة أو التنظيم المستقل".

 

الحكومة ترد: "النتائج تحتاج وقتًا"

من جانبها، تبرر الحكومة التأخر في انخفاض الأسعار بوجود "مخزونات تم استيرادها بأسعار مرتفعة"، وأن "التحسن التدريجي سيظهر على المدى المتوسط".

لكن هذه التبريرات لم تعد مقنعة لقطاع كبير من الشعب، خاصة في ظل استمرار ارتفاع معدلات الفقر، وتآكل الدخول، وغياب الدعم الحقيقي.

وأمام هذا الواقع، يرى مراقبون أن أزمة الأسعار في مصر لم تعد اقتصادية فقط، بل سياسية في جوهرها، حيث فقد المواطنون الثقة في قدرة الحكومة على إدارة الملف الاقتصادي، بل ويتهمها البعض بالتضليل وافتعال الأزمات.

وبينما يستمر المسؤولون في إطلاق التصريحات المتفائلة، يعاني ملايين المصريين في طوابير الخبز والسلع المدعومة، منتظرين انفراجة قد لا تأتي إلا بتغيير شامل في السياسات، وربما في بنية النظام ذاته.