تشهد الساحة السياسية المصرية جولة جديدة من انتخابات مجلس الشيوخ، المقررة في صيف 2025، وسط انتقادات واسعة لما وصفه مراقبون بـ"المسرحية الانتخابية"، حيث تنافس قائمة «من أجل مصر» الموالية للسلطة نفسها في عدد من الدوائر، مما يعكس واقعًا سياسيًا مغلقًا ومشهدًا انتخابيًا محسومًا سلفًا.
تُعرف قائمة «من أجل مصر» بأنها تحالف انتخابي تم تشكيله بدعم واضح من الأجهزة السيادية، وعلى رأسها "الأمن الوطني"، ويضم أحزابًا موالية للنظام مثل "مستقبل وطن"، "الشعب الجمهوري"، و"حماة الوطن"، وهي نفس الأحزاب التي تسيطر على البرلمان الحالي.
ظهرت هذه القائمة لأول مرة بشكل واضح في انتخابات مجلس النواب 2020، وتكرر المشهد ذاته في انتخابات مجلس الشيوخ الأخيرة، وتتجدد اليوم مع الإعداد لدورة 2025.
وفقًا لتقارير صادرة في يوليو 2025، فإن قائمة "من أجل مصر" هي الوحيدة التي تقدمت للدوائر الأربعة المخصصة للقوائم المغلقة، وبالتالي فإن فوزها مضمون بنسبة 100% في هذه المقاعد، وعددها 100 من أصل 300 مقعد بمجلس الشيوخ، ما يجعلها "تنافس نفسها" في انتخابات بلا معارضة حقيقية.
قائمة «من أجل مصر»... تحالف واسع وتنافس غائب
تضم القائمة الوطنية "من أجل مصر" تحالفًا من 12 حزبًا سياسيًا، أبرزها "مستقبل وطن" و"حماة الوطن" و"الجبهة الوطنية" و"المصري الديمقراطي" و"العدل" و"الوفد" و"التجمع" و"المؤتمر" و"الإصلاح والتنمية"، بالإضافة إلى تنسيقية شباب الأحزاب.
وقد تم الإعلان عن القائمة النهائية للمرشحين بعد غلق باب الترشح في 10 يوليو 2025، وتوزعت المقاعد كالتالي:
الحزب |
عدد المقاعد ضمن القائمة الوطنية |
مستقبل وطن |
44 |
حماة الوطن |
19 |
الجبهة الوطنية |
12 |
المصري الديمقراطي |
5 |
الشعب الجمهوري |
5 |
العدل |
4 |
الإصلاح والتنمية |
4 |
الوفد |
2 |
التجمع |
2 |
المؤتمر |
1 |
إرادة جيل |
1 |
الحرية |
1 |
توزيع المقاعد يعكس سيطرة واضحة لأحزاب الموالاة، وعلى رأسها "مستقبل وطن"، الذي تصدر القائمة بفارق كبير عن بقية الأحزاب
انتخابات شكلية
مجلس الشيوخ هو الغرفة الثانية للبرلمان المصري، أُعيد العمل به بموجب التعديلات الدستورية الانقلابية التي أُقرت في استفتاء قاطعه أغلب المصريين في أبريل 2019.
يتكون المجلس من 300 عضو، يُنتخب ثلثاهم، ويُعيَّن الثلث الأخير بقرار من رئيس الجمهورية، يُنتخب 100 عضو بنظام القوائم المغلقة المطلقة، و100 بالنظام الفردي.
الانتخابات الأخيرة لمجلس الشيوخ أُجريت في أغسطس 2020، وشهدت مشاركة ضعيفة لم تتجاوز 14.23% من إجمالي الناخبين البالغ عددهم حينها نحو 62 مليونًا.
ومن المتوقع أن تكون نسبة المشاركة في انتخابات 2025 مماثلة أو أقل، وسط عزوف شعبي متزايد عن المشاركة السياسية.
الجدير بالذكر أن الترشح للمقاعد الفردية غالبًا ما يكون مرهونًا بموافقة أمنية، ما يُفقد العملية الانتخابية عنصر المنافسة، ويدفع كثيرين لوصف المجلس بأنه "ديكور سياسي" يعكس فقط توجهات السلطة التنفيذية.
يرى مراقبون أن الانتخابات البرلمانية في مصر تحوّلت إلى آلية لتثبيت السيطرة الكاملة للسلطة التنفيذية، خاصة منذ انقلاب 2013 الذي قاده عبدالفتاح السيسي.
يقول الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، في تصريح له لإحدى الفضائيات المعارضة: "ما يجري ليس انتخابات بالمعنى الحقيقي، بل إعادة توزيع لمقاعد السلطة بين موالين لها بدرجات مختلفة، تحت مظلة رقابة أمنية محكمة."
أما الناشط السياسي خالد داوود، فقال في تغريدة على "إكس" (تويتر سابقًا): "قائمة من أجل مصر لا تترك شيئًا للصدفة، ولا لمعارضة شكلية حتى، هم يريدون برلمانًا مطيعًا، صامتًا، خاليًا من أي صوت مستقل أو نقدي."
الجدول الزمني لانتخابات مجلس الشيوخ الشكلية
- فتح باب الترشح: 5 يوليو 2025
- غلق باب الترشح: 10 يوليو 2025
- إعلان القوائم النهائية: 18 يوليو 2025
- بدء الدعاية الانتخابية: 18 يوليو 2025
- الصمت الانتخابي: 31 يوليو 2025
- تصويت المصريين بالخارج: 1 و2 أغسطس 2025
- التصويت بالداخل: 3 إلى 5 أغسطس 2025
- إعلان النتائج الرسمية: 4 سبتمبر 2025
- جولة الإعادة إن وجدت27 و 28 أغسطس 2025 بالداخل، 25 و26 أغسطس بالخارج
يتزامن هذا المشهد الانتخابي المغلق مع أزمة اقتصادية طاحنة تشهدها مصر، حيث تجاوز معدل التضخم في يونيو 2025 نسبة 32%، وارتفع الدين الخارجي إلى أكثر من 168 مليار دولار، بحسب بيانات البنك المركزي المصري/ وفي ظل هذه الظروف، يرى مراقبون أن النظام يسعى لتأمين أدواته التشريعية بالكامل لتمرير سياسات تقشفية جديدة قد تثير غضب الشارع.
الدكتور زياد بهاء الدين، نائب رئيس الوزراء الأسبق، أشار في مقال نُشر على موقع "مدى مصر"، إلى أن "احتكار القوائم الانتخابية، وتقييد الترشح الفردي، يعزل النظام عن الشعب ويُنتج مجالس عاجزة عن أداء دورها التشريعي والرقابي."
هل من فرصة للمعارضة؟
الواقع الحالي لا يترك مجالًا حقيقيًا للمعارضة السياسية، خاصة بعد حملات القمع الواسعة التي شهدتها السنوات الأخيرة، حيث يقبع آلاف السياسيين والنشطاء في السجون، وتُمنع الأحزاب المعارضة من تنظيم فعاليات أو حتى عقد اجتماعات في مقارها.
الكاتب الصحفي وائل قنديل علّق على الوضع قائلًا: "عندما تنافس قائمة واحدة نفسها، فاعلم أنك في دولة بوليسية لا تؤمن بتداول السلطة، بل تسعى لتجميل وجه الاستبداد بطلاء ديمقراطي زائف."
تمثل انتخابات مجلس الشيوخ المصري في 2025 نموذجًا لفكرة "الانتخابات الشكلية"، حيث تُهيمن قائمة واحدة على المشهد، وتُستبعد أي قوى معارضة حقيقية، ما يفقد العملية السياسية معناها ويكرّس حكم الفرد والحزب الواحد بصيغة جديدة.
وبينما يزداد الوضع الاقتصادي سوءًا وتتفاقم الأزمات الاجتماعية، تستمر السلطة في إحكام قبضتها على المؤسسات التشريعية، في مشهد يراه كثيرون دلالة على ضعف الثقة بين النظام والمواطن، وإصرار الدولة على تجاهل أصوات المطالبين بالإصلاح والتغيير.