أعلنت سلطات الانقلاب المصرية رسميًا في مطلع يوليو 2025 إعادة فتح الوديان الجبلية في منطقة سانت كاترين بجنوب سيناء أمام أنشطة سياحة السفاري، بعد إغلاق دام لأكثر من عشر سنوات منذ عام 2013 عقب انقلاب عبد الفتاح السيسي على الرئيس المنتخب محمد مرسي.

تُعد سانت كاترين محمية طبيعية وثقافية منذ عام 1988، وتبلغ مساحتها 4250 كيلومتر مربع، وتضم تنوعًا بيولوجيًا نادرًا من النباتات والحيوانات والطيور

القرار أثار تساؤلات حادة بين خبراء السياحة والاقتصاد ونشطاء بيئيين حول خلفياته الحقيقية، وما إذا كان محاولة يائسة جديدة من النظام العسكري للبحث عن "سبوبة اقتصادية" في ظل التدهور المالي المستمر وغياب أي خطة تنموية متكاملة.

منطقة سانت كاترين كانت لعقود وجهة مفضلة لعشاق الطبيعة، والمغامرين، والسياح الباحثين عن روحانيات الجبال، غير أن سلطات الانقلاب أغلقت معظم الأودية منذ عام 2013، مبررة الخطوة بـ"دواعٍ أمنية"، خاصة مع تصاعد التوتر في شمال سيناء وحوادث استهداف منشآت أمنية، لكن نشطاء محليين يؤكدون أن السبب الحقيقي كان فرض عزلة على مناطق ذات طابع بدوي مستقل، تخشى الدولة من نشاطها خارج سيطرة الأجهزة الأمنية.

  • مدة الإغلاق: أكثر من 10 سنوات (منذ 2014 حتى 2025).
  • تكلفة مشروع التجلي الأعظم: نحو 4 مليارات جنيه مصري.
  • مساحة محمية سانت كاترين: 4250 كيلومتر مربع.
  • أهم الوديان التي أُعيد فتحها: الشيخ عواد، طلاح، زغره، التلعة، جبال الأربعين، السباعية،.....

 

القرار الجديد: محاولة لإنعاش قطاع منهك؟

بتاريخ 1 يوليو 2025، أصدر وزير السياحة والآثار بحكومة الانقلاب أحمد عيسى، بالتعاون مع محافظ جنوب سيناء خالد فودة، قرارًا بفتح 6 أودية جبلية رئيسية أمام رحلات السفاري، منها "وادي الزواتين"، و"وادي الأربعين"، و"وادي الطرحة"، وذلك بعد توصيات من "الجهات الأمنية" وفق ما جاء في البيان الرسمي.

وقال الوزير في مؤتمر صحفي بشرم الشيخ: "فتح هذه الأودية خطوة لتعظيم العائد الاقتصادي من السياحة البيئية، وتنويع المنتج السياحي المصري، في إطار رؤية الدولة 2030."

لكن مراقبين شككوا في هذه التصريحات، معتبرين أن "رؤية 2030" ليست سوى واجهة إعلامية لتغليف تحركات النظام بحثًا عن مصادر دخل سريعة وسط انهيار العملة المحلية، وتضخم تجاوز 40% في يونيو الماضي بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

وفي التاسع من يوليو 2025، أعلن اللواء خالد مبارك، محافظ جنوب سيناء، فتح جميع وديان سانت كاترين أمام السائحين المصريين والأجانب، في مقدمتها وديان الشيخ عواد، طلاح، زغره، التلعة، جبال الأربعين، والسباعية

 

اقتصاد السفاري.. هل سيُنقذ جنوب سيناء؟

في عام 2010، بلغ عدد زوار سانت كاترين أكثر من 300 ألف سائح سنويًا، معظمهم يأتون لرحلات جبلية، بحسب إحصاءات وزارة السياحة حينها، أما اليوم، وبعد عقد من الإغلاق، تشير التقديرات إلى تراجع الزوار إلى أقل من 50 ألفًا سنويًا، معظمهم من السياحة الداخلية.

يرى الدكتور نادر سعد، أستاذ الاقتصاد البيئي بجامعة القاهرة، أن "إعادة فتح الوديان، من حيث المبدأ، فرصة ممتازة لاستقطاب فئات جديدة من السياح، خاصة من أوروبا، حيث تنتشر ثقافة الرحلات البيئية".

لكنه أضاف: "المشكلة أن النظام يتعامل مع هذه المناطق كعائد نقدي مباشر وليس كجزء من تنمية مستدامة. وبالتالي، سنشهد خصخصة لطرق الرحلات، رسوم دخول باهظة، وربما تدخل من شركات أمنية خاصة."

 

المجتمع البدوي مغيّب كعادته

رغم أهمية السكان المحليين في إدارة السياحة الجبلية، من نقل، وإرشاد، وخدمات لوجستية، لم يُذكر أي تمثيل لهم في القرار الأخير. الشيخ سالم الجبلي، أحد كبار مشايخ قبائل الجبلية في سانت كاترين، صرّح لموقع مستقل:

"منذ 10 سنوات وهم يمنعوننا من دخول أرضنا بحجة الأمن، واليوم يريدون السياح لكن دون إشراكنا، نحن لسنا بوابين للمنتجعات."

هذا الغياب للعنصر المحلي يهدد بإفشال المشروع، بحسب نشطاء تنمويين، خاصة أن تجربة مماثلة في واحة سيوة عام 2022 انتهت بفشل ذريع بعد تهميش الأهالي لصالح مستثمرين محسوبين على الجيش.

 

"سبوبة" جديدة.. ولكن لمن؟

يخشى محللون أن تتحول فتح الوديان الجبلية إلى مشروع استثماري مغلق لصالح عدد محدود من الشركات التابعة للجيش أو رجال أعمال مقربين من السيسي، كما حدث في مشروعات مثل مدينة العلمين الجديدة، أو الساحل الشمالي، حيث قفزت أسعار الخدمات دون تحسين حقيقي للبنية التحتية.

الخبير السياحي هشام عبد العال حذّر من أن تتحول سفاري سانت كاترين إلى "نسخة صحراوية من مشاريع الساحل"، مضيفًا: "الجبال ليست مولًا تجاريًا، إذا لم تراعَ الطبيعة والثقافة المحلية، فسنفقد كنزًا بيئيًا وسياحيًا لا يعوّض."

 

قرار مشوب بالريبة

في ظل غياب الشفافية، وتكرار فشل مشروعات النظام بسبب غلبة الطابع العسكري والإقصائي، لا يبدو أن إعادة فتح الوديان الجبلية ستقود إلى نهضة سياحية حقيقية، بل ربما تكون، كما يرى البعض، "سبوبة جديدة في يد نظام أنهك الاقتصاد المصري، ويحاول حاليًا عصر كل ما تبقى من موارد البلاد".