تشهد شبه جزيرة سيناء وجودًا عسكريًا مصريًا ضخمًا ومستمرًا، ما يثير تساؤلات وانتقادات في ضوء خرق ذلك لاتفاقية السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل عام 1979. ورغم أنّ هذا التعزيز العسكري جرى بموافقة إسرائيلية سابقًا لمحاربة تنظيم داعش، إلا أن حجمه وطابعه الهجومي بعد تراجع التهديد الداعشي يثيران قلقًا متزايدًا لدى بعض الدوائر الإسرائيلية، خصوصًا بعد هجوم 7 أكتوبر 2023 من قِبل حماس.
تواجه دوائر صنع القرار الإسرائيلية حيرة في تفسير هذا الحشد العسكري. وتُرجّح إحدى المدارس الفكرية أن الأمر نابع من رؤية مصرية عميقة الجذور ترى إسرائيل كقوة توسعية استعمارية، وهو ما عبّرت عنه الباحثة روت فاسرمان لاندي، الزميلة في معهد "ميسجاف" للأمن القومي والاستراتيجية الصهيونية، والنائبة الإسرائيلية السابقة ونائبة السفير الإسرائيلي في القاهرة سابقًا.
قالت لاندي: "لا يوجد مبرر عقلاني لبناء قوة هجومية تجاه إسرائيل، لكن هذا يعكس تصوّرًا مشوهًا عميقًا لدى القيادة المصرية التي ترى إسرائيل كدولة استعمارية تسعى للتوسع، وخاصة في ظل الحكومة الحالية".
وأوضحت أن هذه النظرة السائدة على أعلى المستويات في مصر تُفسّر حتى مقتل المؤرخ الإسرائيلي زئيف إيرليخ في لبنان بأنه جزء من "استكشاف نوايا التوسع الإسرائيلي".
وتضيف أن إنشاء إسرائيل لمنطقة عازلة في جنوب سوريا بعد انهيار نظام الأسد لم يُنظر إليه كخطوة دفاعية، بل كحلقة في مشروع "إسرائيل الكبرى"، مشيرة إلى أن هذه القناعة راسخة ليس فقط في الجيش أو الرأي العام، بل بين أرفع المسؤولين.
وترى فاسرمان لاندي أن هذا التصور يتفاقم بسبب عامل ثانٍ يتمثل في عقود من التحريض الرسمي المعادي لإسرائيل واليهود، والذي ترسخ عبر المناهج الدراسية، والثقافة، والسينما، والتعليم الجامعي، مما خلق بيئة داخلية معادية تمنع النظام من اتخاذ خطوات واقعية نحو التعاون، حتى لو اقتضت المصلحة المصرية ذلك.
قالت: "مستوى الكراهية لدى الشعب المصري هو الأعلى بين الدول العربية، رغم أن مصر تُعد أقدم دولة أبرمت سلامًا مع إسرائيل". وترى أن هذا العداء ليس طبيعيًا بل ناتج عن سياسة مقصودة من النظام.
ورغم هذه الأجواء العدائية، تستبعد لاندي اندلاع حرب حاليًا بين البلدين، مشيرة إلى أن القيادة المصرية تدرك أن مثل هذه الخطوة ستكون انتحارية، خاصة في ظل وجود إدارة ترامب.
من جانبها، ترى الكاتبة المصرية والباحثة داليا زيادة، الزميلة في مركز القدس للشؤون الأمنية، أن سيناء لطالما مثلت تحديًا أمنيًا لمصر، مؤكدة أن الرأي العام المصري يرى أن أمن سيناء مرتبط بقطاع غزة المجاور.
قالت زيادة: "يرى المصريون غزة امتدادًا ثقافيًا لمصر، لكنهم يرفضون استقبال الغزيين كلاجئين في سيناء، وهذا التناقض نتيجة عقود من التلقين من قبل الأنظمة الشيوعية والإسلاميين".
ورغم القلق الإسرائيلي، أوضحت زيادة أن تعزيز القوات في سيناء ليس جديدًا وتمّ بالتنسيق مع إسرائيل لمحاربة الإرهاب. وأشارت إلى أن الانتشار قرب رفح جاء بعد سيطرة الجيش الإسرائيلي على ممر فيلادلفيا على الجانب الآخر من الحدود.
وأضافت: "ليس الهدف الاستعداد لحرب، بل استرضاء الرأي العام في مصر والعالم العربي الغاضب من إسرائيل، خصوصًا مع تفاقم المأساة الإنسانية في غزة".
تتوقع زيادة استمرار الشراكة الأمنية بين مصر وإسرائيل، بل وتعميقها في مجالات استخباراتية لمواجهة الجماعات المتشددة في سيناء وغزة.
في السياق ذاته، أشار الباحث هيثم حسنين في مقال نشره في مايو 2025 في مجلة Jerusalem Strategic Tribune إلى وجود ثلاث توجهات داخل المؤسسة العسكرية المصرية منذ اتفاقية السلام:
1. العداء الدائم: فئة ناصرية ترى في إسرائيل عدوًا دائمًا وترفض التطبيع.
2. التوجس الحذر: ترى إسرائيل كمنافس استراتيجي متفوّق يشكل تهديدًا غير مباشر.
3. البراجماتية العملية: فئة صغيرة تؤيد التعاون في القضايا التي تخدم مصالح مصر، وهي الفئة التي خرج منها رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي.
https://www.jns.org/highest-levels-of-decision-makers-in-egypt-view-israel-as-imperialist/