شهدت منطقة الخليج اضطرابًا كبيرًا خلال ما عُرف بـ"حرب الاثني عشر يومًا" بين إسرائيل وإيران، حيث بدأت دول الخليج بإعداد خطط طوارئ خشية أن تدفعها الحرب إلى قلب صراع قد يدمّر نموذجها القائم على الترابط والتجارة والسياحة. الخليج استثمر مليارات الدولارات في تعزيز علاقاته مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عبر صفقات ضخمة هدفت إلى تعزيز نفوذه الدبلوماسي والجيوسياسي في لحظات التهديد.

رغم استمرار التوتر مع طهران، شعر قادة الخليج بالذهول من سرعة الهجوم الإسرائيلي والرد الإيراني، خصوصًا أنهم كانوا يقودون جهود الوساطة بين واشنطن وطهران في التوقيت ذاته. لا تزال مساعيهم لإعادة توجيه مسار المنطقة نحو التنمية الاقتصادية والتكنولوجية تصطدم بأهوال الحرب والاضطرابات الإقليمية.

مع وجود وقف إطلاق نار هش، تلوح إشارات لوحدة خليجية دفاعية، حيث تتحرك العواصم لإعادة بناء الثقة وتعزيز نموذج "الأعمال أولًا" مجددًا.

تعتمد مدن مثل الدوحة ودبي على دورها كمحاور عالمية لحركة الطيران، لكنها تقف على مسافة قصيرة من مواقع حساسة في إيران، ما يجعلها عرضة للهجمات حال اندلاع حرب طويلة. الدوحة تقع على بُعد 180 ميلاً فقط من قاعدة جوية إيرانية رئيسية، بينما تبعد دبي 120 ميلاً عن ميناء بندر عباس، مقر الأسطول البحري الإيراني.

في 2024، كان 22٪ فقط من ركّاب مطار الدوحة يستخدمون قطر كوجهة نهائية، ما يسلّط الضوء على أهمية هذه المراكز في حركة الطيران العالمية، وهشاشتها أمام التصعيد.

السكان الوافدون يشكّلون أكثر من 80٪ من القوى العاملة في الخليج، وهو ما يعزز المخاوف من هروب جماعي واضطرابات اقتصادية في حال نشوب حرب.

كما ترتفع كلفة تأمين الشحنات البحرية للمنطقة، حيث قفزت أقساط تأمين المخاطر الحربية من 0.02٪ إلى 0.5٪، ما يُهدد الطموحات الخليجية في أن تصبح مركزًا لوجستيًا عالميًا.

حتى في حال إضعاف إيران عبر تغيير النظام، تُواجه دول الخليج معضلة جديدة: إسرائيل، بحضورها العسكري والتقني الهائل، قد تبرز كقوة مهيمنة. رغم تحسّن العلاقات معها، لا ترغب العواصم الخليجية في رؤية إسرائيل تملأ فراغ النفوذ الإقليمي وحدها.

بينما تواصل واشنطن التفاوض مع طهران، تمتلك دول الخليج فرصة تاريخية لإبراز دورها القيادي، مستفيدة من علاقتها المزدوجة مع كل من إيران والولايات المتحدة. القواعد الأمريكية في قطر والبحرين تؤدي دورًا محوريًا في ردع التهديدات الإيرانية والحوثية، وتشكل ركيزة للثقة بين واشنطن وحلفائها الخليجيين.

مع تواصل الهدوء النسبي، يراقب الخليج عن كثب ما قد ينتج عن اضطرابات داخل إيران، حيث قد يتسبب انهيار النظام في مزيد من الفوضى ويقوّض استراتيجية الخليج المبنية على الاستقرار الاقتصادي.

في لقاءات مغلقة قادتها وفود أمريكية إلى الخليج، أعرب مسؤولون خليجيون عن رغبتهم في تعميق التعاون مع إسرائيل، لكنهم عبّروا أيضًا عن قلقهم من كون حكومة نتنياهو قد تُصبح مصدرًا جديدًا لعدم الاستقرار. لا أحد يعلم ما هو هدف إسرائيل النهائي، وهو ما يُقلق العواصم الخليجية.

صحفيون ومحللون في السعودية والكويت حذروا من أن استهداف إسرائيل لرموز إيرانية مثل المرشد الأعلى قد يشعل أحقادًا أيديولوجية تمتد لأجيال. بينما يرى آخرون أن سقوط النظام الإيراني سيخدم مصالح الأمن الإقليمي على المدى الطويل.

في المقابل، يُحذّر محللون من أن إسرائيل، رغم تحالفها التقني مع بعض دول الخليج، لن تجد مساحة مرحّب بها في منطقة تريد تحالفات اقتصادية أكثر من تحالفات أمنية.

قد يستمر الخليجيون في إظهار تحفظ علني تجاه إسرائيل، مع تكثيف التعاون في الخفاء. تَظهر هنا فرصة استراتيجية: الإبقاء على إيران ضعيفة ولكن مستقرة، والتعامل مع إسرائيل من موقع قوة لا تبعية، من أجل أن تتصدر دول الخليج المشهد كقوة وساطة إقليمية لا غنى عنها.

لكن هذا التوازن لا يخلو من تنافس داخلي، إذ قد تسعى السعودية وحدها للقيادة في مرحلة ما بعد إيران النووية، حتى لو تصادمت مع طموحات إقليمية مشابهة من الإمارات.

بعد قرار ترامب بشل البرنامج النووي الإيراني، أُعلن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، وتلوح واشنطن بتجديد المحادثات مع طهران. في هذا السياق، تبرز دول الخليج كشركاء أساسيين في السلام الإقليمي.

قبل أسابيع فقط، وقّعت السعودية والإمارات وقطر صفقات تقنية هائلة مع الولايات المتحدة تجاوزت قيمتها 2 تريليون دولار، في الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية الرقمية، ما يُرسّخ مكانة الخليج كجبهة أعمال عالمية أولى.

الخطوة القادمة خليجيًا تركز على ثلاثة أهداف:

  • حماية المصالح الاقتصادية.
  • تعزيز الأمن الجماعي.
  • الحفاظ على موقعهم كمحور الربط التجاري والتقني بين الشرق والغرب.

هذه الرؤية تُمهّد لحقبة جديدة من التأثير الخليجي في صياغة النظام العالمي بدلًا من الاكتفاء بلعب دور التابع فيه.


كما قالت المبعوثة الإماراتية لانا نسيبة: "لا يمكن لأي جدار حديدي أن يمنح النصر الكامل لأي طرف أو شعب".

https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/for-the-gulf-business-comes-first-even-after-the-twelve-day-war/