خلال زيارته لواشنطن، تفاخر بنيامين نتنياهو أمام دونالد ترامب بترشيحه لنيل جائزة نوبل للسلام، مدّعيًا أنّ الرئيس الأمريكي ساهم في "حلّ النزاعات" بالشرق الأوسط. في الواقع، يعرب نتنياهو عن امتنانه لانضمام واشنطن لحربه ضد إيران، وتغاضيها عن استمرار المذبحة في غزة، بل ويسعى لتجنّب أي ضغوط أمريكية جديدة لوقف إطلاق النار. صحيح أن محادثات غير مباشرة بين إسرائيل وحماس تُعقد في قطر وقد تُفضي إلى هدنة مؤقتة، لكن لا أحد يتوقع سلامًا دائمًا.
الكلمات لم تعد تعني شيئًا. اللغة التي تُستخدم في وصف الحرب الإسرائيلية على غزة باتت منفصلة تمامًا عن الواقع. لم يعد الأمر مجرد عبث أو فجور بل تجاوز إلى الفُحش. وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، أعلن عن خطة لـ"مدينة إنسانية"، تقضي بجمع كل سكان غزة داخل معسكر مُغلق في رفح، لا يُسمح لهم بمغادرته. وصف المؤرخ المتخصص في دراسات الهولوكوست، البروفيسور آموس جولدبرج، هذه الخطة بدقة: "معسكر اعتقال أو معسكر عبور للفلسطينيين قبل ترحيلهم". الخطة، بحسب صحيفة هآرتس، تُعد تطهيرًا عرقيًّا. فلا مغادرة طوعية حين يكون البديل هو الجوع أو السجن إلى أجل غير مسمّى في ظروف غير إنسانية.
يرى البعض أن المقترح ليس إلا مناورة سياسية. ربما. لكن ما يدعو للقلق أن من يروّج له ليس وزيرًا متطرفًا من أحزاب اليمين، بل وزير الدفاع نفسه، وهو من يمتلك السلطة لتنفيذه. حتى لو ترددت المؤسسة العسكرية، تظل الخطة قائمة.
أفكارٌ كانت تُعتبر قبل سنوات غير أخلاقية أو مستحيلة، تحوّلت الآن إلى واقع. منظومة "التوزيع الإنساني" التي يديرها القطاع الخاص عبر "مؤسسة غزة الإنسانية" تحوّلت إلى فخ موت. مئات الفلسطينيين قُتلوا أثناء انتظارهم للحصول على الغذاء. جنود إسرائيليون أفادوا للصحافة أنهم تلقوا أوامر بإطلاق النار على مدنيين عزّل لا يُشكّلون تهديدًا – وهو جريمة حرب. تدّعي الحكومة الإسرائيلية أن هذه الاتهامات "افتراءات دموية"، فيما يقول الجيش إنه يحاول تقليل الضحايا المدنيين. ومع ذلك، يشكّل النساء والأطفال معظم عشرات الآلاف من القتلى، بينهم مئات من الكوادر الطبية، في جريمة حرب موثّقة أخرى.
حين رفعت جنوب إفريقيا دعوى إبادة جماعية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، تردد كثيرون في استخدام هذا الوصف. لكن عدد المشككين في توصيف "الإبادة" يتناقص يومًا بعد يوم. صحيح أن العتبة القانونية للإدانة مرتفعة للغاية، لكن اتفاقية منع الإبادة الجماعية تلزم الدول الموقعة بمنعها لا الصمت عنها. تدمير وسائل الحياة للفلسطينيين، التخطيط لترحيلهم، والسعي للقضاء على مجتمع كامل، تمثّل أفعالًا تدخل في صلب تعريف الإبادة الجماعية وفق القانون الدولي.
الخطاب الإسرائيلي يُستخدم لإخفاء الفظائع، والسماح لحلفائها – مثل بريطانيا – بالتنصّل من المسؤولية. لكن على القادة الأوروبيين مواجهة الحقيقة. من المقرر أن يُراجع وزراء الاتحاد الأوروبي قريبًا اتفاقية التجارة مع إسرائيل. لا يكفي التنبيه، بل يجب اتخاذ خطوات ملموسة.
إذا كان ترامب يطمع بجائزة نوبل، فعليه أن يُطالب بسلام حقيقي، لا أن ينبهر بـ"سلام مزيف" مبني على أطلال غزة، يُسوّق له على أنه مشروع سياحي أشبه بالريفيرا.
https://www.theguardian.com/commentisfree/2025/jul/08/the-guardian-view-on-israel-and-gaza-they-make-a-desert-and-call-it-peace