في ظل تصاعد وتيرة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، تتكشف فصول جديدة من تداعياتها النفسية العنيفة داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، حيث ارتفعت معدلات الانتحار بشكل لافت في صفوف الجنود، وسط صمت رسمي وتكتم إعلامي جزئي.
وفي أحدث حلقة من سلسلة هذه الوقائع، أقدم جندي إسرائيلي من لواء "غولاني" على الانتحار داخل قاعدة وسجن "سدي تيمان"، أحد أكثر المرافق العسكرية الإسرائيلية سوءًا في السمعة، وذلك بعد عودته من المشاركة المباشرة في العمليات العسكرية داخل قطاع غزة.
وقالت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية إن الجندي أطلق النار على نفسه مستخدمًا سلاح صديق له أثناء نومه، في القاعدة التي توجه إليها لـ"الراحة" بعد مغادرة غزة، إلا أن محققي الشرطة العسكرية كانوا بانتظاره، حيث خضع لتحقيق مستمر منذ نحو شهر، ما دفع بقيادته إلى سحب سلاحه الشخصي قبل أن يضع حدًا لحياته. ورغم ذلك، تشير الصحيفة إلى أن التحقيق "لا يتعلق بسلوكه"، دون توضيح إضافي.
الصحيفة أوضحت أن الجندي كان يعاني من حالة نفسية صعبة، خصوصًا بعد مقتل صديق مقرب له في انفجار عبوة ناسفة الشهر الماضي داخل غزة.
ولم تكن هذه الحادثة فردية أو معزولة. فقد شهد يوم الأحد الماضي انتحار جندي احتياط آخر، وُجد جثته في غابة قرب مدينة صفد شمالي البلاد، بعدما أخفق مرارًا في الحصول على الدعم النفسي الذي طلبه. وكشف موقع "والا" العبري أن الجندي كان يواجه صدمات نفسية متراكمة نتيجة مشاركته في الحرب على غزة، دون استجابة من المؤسسة العسكرية لنداءاته.
وتؤكد صحيفة "يسرائيل هيوم" أن 21 جنديًا إسرائيليًا أقدموا على الانتحار منذ مطلع عام 2024 فقط، في مؤشر على عمق الأزمة النفسية في أوساط الجيش.
أما الأرقام الصادرة عن صحيفة "هآرتس" في مايو الماضي فتشير إلى رقم صادم: 42 عسكريًا أنهوا حياتهم منذ بدء الحرب، ما يعكس حجم الصدمة النفسية الممتدة بين صفوف المجندين والعائدين من العمليات.
■ قاعدة "سدي تيمان".. من جبهة إلى زنزانة
القاعدة التي وقعت فيها الحادثة الأخيرة ليست موقعًا عسكريًا اعتياديًا. فهي تضم سجنًا معروفًا بسوء معاملته للمعتقلين، سواء الفلسطينيين أو الجنود الإسرائيليين الذين يخضعون لمحاكمات أو تحقيقات داخلية، وقد وثقت منظمات دولية انتهاكات حقوقية عديدة داخلها.
وتعد "سدي تيمان" مرآة واضحة لطبيعة الانتهاكات الجسدية والنفسية التي تحدث في عمق المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وسط تزايد مؤشرات الإحباط والانهيار بين الجنود.
■ أزمة نفسية جماعية.. وآثار حرب طويلة
المؤشرات القادمة من إسرائيل ترسم صورة مقلقة عن حالة نفسية جماعية داخل الجيش، خاصة في صفوف أولئك الذين شاركوا في القتال المباشر بغزة. فمع تفاقم المجازر والدمار واسع النطاق، يجد الجنود أنفسهم أمام واقع دموي لا يمكن إنكاره، يثقلهم بصدمات متراكمة لا يجدون متنفسًا لها.
يرى مراقبون أن تصاعد حالات الانتحار يعكس فشلًا متزايدًا في منظومة الرعاية النفسية داخل الجيش الإسرائيلي، وخللًا عميقًا في قدرة المؤسسة على احتواء الجنود بعد مشاركتهم في عمليات عسكرية ذات طابع إبادي واضح، بحسب وصف تقارير حقوقية دولية.
■ مذبحة مستمرة في غزة.. وأمريكا في موقع الداعم
منذ 7 أكتوبر تشن إسرائيل حربًا شاملة على قطاع غزة بدعم عسكري ودبلوماسي أمريكي غير مسبوق. وقد أسفرت العمليات حتى الآن عن استشهاد أكثر من 195 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم من النساء والأطفال، إضافة إلى أكثر من 11 ألف مفقود، وسط دمار شامل للبنية التحتية، ومجاعة قضت على عشرات الأطفال والمسنين، بحسب بيانات أممية وفلسطينية.
■ مشهد داخلي متصدع.. من غوش عتصيون إلى الجبهة
في سياق متصل، أعلنت إذاعة جيش الاحتلال أن جنديًا احتياطيًا يعمل كحارس أمن قُتل بإطلاق نار في عملية نوعية نفذها فلسطينيان في مفترق "غوش عتصيون" جنوب الضفة الغربية، حيث استولى المنفذان على سلاحه واشتبكا مع قوات الاحتلال قبل استشهادهما.
العملية جاءت متزامنة مع تزايد مشاهد التصدع في صفوف جيش الاحتلال، بين مواجهات خارجية متصاعدة، وداخلية تنهار نفسيًا أمام تبعات الحرب الطويلة.