أعاد الصراع الذي استمر 12 يوماً بين إسرائيل وإيران إبراز الانقسامات الجيوسياسية في معضلة أمن الشرق الأوسط، بحسب تحليل نشره موقع ميدل إيست مونيتور. شنّت إسرائيل هجوماً مفاجئاً وغير قانوني على إيران بذريعة مساعيها لتخصيب اليورانيوم، فردّت طهران بإطلاق صواريخ باليستية على إسرائيل. تدخلت الولايات المتحدة لاحقاً وقصفت مواقع نووية إيرانية، مما أثار مخاوف عالمية من اندلاع صراع دموي جديد في المنطقة.
خلال هذه الأحداث، بقي دور الصين في موقع المراقب السلبي. رغم إدانتها الغارات الأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية واعتبارها انتهاكاً للقانون الدولي وتهديداً لأمن المنطقة، لم تقدم بكين دعماً دبلوماسياً لإيران، ولم تتخذ أي خطوات لحماية أمنها الطاقوي، سواء في مضيق هرمز أو عبر وارداتها النفطية من الخليج.
يُعد مضيق هرمز شرياناً حيوياً للصين، لا مجرد بؤرة توتر جيوسياسي. فالصراع بين إيران وإسرائيل يهدد بقطع هذا الشريان، وبالتالي يعرّض أمن الصين الاستراتيجي للخطر. في 2023، بلغت واردات الصين من نفط الخليج عبر هرمز 128 مليار دولار. وفي الربع الأول من 2025، استوردت بكين 5.4 ملايين برميل نفط يومياً من هذه المنطقة، أي نصف وارداتها النفطية، وفق إدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA).
تحظى إيران بأهمية استراتيجية لدى الصين، ليس فقط كمصدر رئيسي للطاقة، بل أيضاً كشريك جيوسياسي يعارض الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط. احتياطياتها الهائلة من الطاقة تعزز أمن الصين الطاقي، كما أن سياساتها الخارجية غير الخاضعة للغرب تتناغم مع تطلعات بكين لنظام عالمي متعدد الأقطاب. إيران عضو في مجموعة بريكس ومنظمة شنجهاي للتعاون والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، ووقّعت مع الصين اتفاق شراكة استراتيجية شاملة لمدة 25 عاماً عام 2021، يشمل مجالات الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا والأمن.
لكن العلاقة مع إسرائيل أيضاً وثيقة. فتل أبيب اعترفت بالحكومة الشيوعية في بكين منذ 1950، وبحلول 2023، أصبحت الصين ثاني أكبر شريك تجاري لإسرائيل بعد الولايات المتحدة. بين 2013 و2022، تضاعفت واردات الصين إلى إسرائيل، وبلغت الاستثمارات الصينية في القطاعات التكنولوجية الإسرائيلية ذروتها، ما عكس اهتماماً استراتيجياً متزايداً.
تُظهر هذه الشبكة من المصالح مدى تعقيد موقف الصين في التعامل مع التوترات في الشرق الأوسط. فبينما تعلن بكين تبنيها مبدأ "عدم التدخل"، تسعى في الوقت ذاته للحفاظ على استقرار الإمدادات النفطية، ونجاح مبادرة الحزام والطريق، التي يمر جزء أساسي منها عبر المنطقة.
ومع تصاعد التوترات وتهديد إيران بإغلاق مضيق هرمز جزئياً، وجّهت بكين نداءً إلى الأمم المتحدة لوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، لكنها لم تتخذ إجراءات ملموسة لحماية استثماراتها أو لدعم حلفائها الاستراتيجيين. هذا التردد كشف حدود الدبلوماسية الصينية وقدرتها الفعلية على لعب دور قوة عظمى مسؤولة.
خلال الأزمة، ظهرت إسرائيل كقوة مزعزعة للاستقرار، بدعم مباشر من الولايات المتحدة التي نفّذت غارات على منشآت نووية إيرانية، ما أكد استعدادها لإشعال صراع جديد في الشرق الأوسط لحماية مصالحها وحليفتها الأقرب.
في هذا السياق، اضطرت الصين للجوء إلى طاولة الوساطة، أملاً في خفض التصعيد من دون أن تملك أدوات ضغط واضحة. وبالرغم من أن خطر الحرب تراجع مؤقتاً، إلا أن التهديدات المتبادلة بين إيران وإسرائيل ما تزال قائمة، ما يجعل الصين أمام معضلة استراتيجية: إما الاستمرار في سياسة الحذر والمراقبة، أو تبني موقف نشط وأكثر صلابة في القضايا التي تمس أمنها المباشر.
تداعيات هذا الصراع لا تتعلق فقط بأمن الطاقة، بل بقدرة الصين على إدارة الأزمات العالمية ودورها المستقبلي كقوة دولية. طريقة استجابتها لأزمات الشرق الأوسط ستحدد شكل قيادتها على الساحة الدولية في السنوات المقبلة.
https://www.middleeastmonitor.com/20250630-chinas-energy-security-and-ambiguity-in-the-middle-east-crisis/