تشهد قارة أفريقيا تطورات جيولوجية مذهلة وغير مسبوقة قد تعيد رسم خريطة العالم في المستقبل البعيد. فوفقاً لأحدث الدراسات العلمية التي أجراها فريق من الباحثين بجامعة سوانزي البريطانية، بدأت القارة السمراء فعلياً في الانقسام إلى شطرين نتيجة صدع جيولوجي عملاق يمتد من الشمال الشرقي إلى الجنوب، في ظاهرة تُمهد لنشوء محيط جديد وفصل جغرافي دائم بين مناطق من القارة.

وكشفت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية في تقرير موسّع أن هذا الصدع المتنامي يحدث حالياً بمعدل بطيء يتراوح ما بين 5 إلى 16 ملليمتراً سنوياً، لكن تأثيره التراكمي سيكون هائلاً على المدى الجيولوجي، إذ يُتوقع أن يكتمل انفصال القارة خلال فترة تمتد من خمسة إلى عشرة ملايين سنة.

الشرارة بدأت من "عفار".. قلب أفريقيا الجيولوجي
تركزت الدراسة في منطقة عفار الواقعة شمالي إثيوبيا، والتي تُعد بؤرة التقاء ثلاث صفائح تكتونية: صدع البحر الأحمر، وصدع خليج عدن، والصدع الإثيوبي الرئيسي. وفي هذه المنطقة النشطة جيولوجياً، لاحظ العلماء وجود ما وصفوه بـ"النبضات الصاعدة" من الصخور المنصهرة التي تتحرك بانتظام من أعماق الأرض، وتعمل على تفكيك القشرة الأرضية ببطء ولكن بثبات.

وصرّحت الدكتورة إيما واتس، الباحثة الرئيسية في الدراسة، قائلة: "الوشاح الأرضي تحت منطقة عفار ليس كتلة صخرية صامتة، بل نابض بالحياة. نحن نشهد ارتفاعاً متكرراً للوشاح المنصهر جزئياً من باطن الأرض، مدفوعاً بحركة الصفائح التكتونية المتباعدة، وهو ما يُشير إلى بداية تمزق القارة".

ما الذي سيحدث لأفريقيا؟
وفقاً لتوقعات الباحثين، فإن القارة ستُقسم إلى كتلتين أرضيتين: الكتلة الغربية: وهي الأكبر، وتضم معظم الدول الأفريقية المعروفة حالياً مثل مصر، الجزائر، السودان، نيجيريا، وغانا، وتُقدّر مساحتها بأكثر من 10 ملايين ميل مربع.

الكتلة الشرقية: وهي الأصغر نسبياً، وتضم دول مثل كينيا، الصومال، تنزانيا، موزمبيق، وجزء كبير من إثيوبيا، وتُقدّر مساحتها بحوالي مليون ميل مربع.

وتُشير الدراسة إلى أن تمزق القارة سيبدأ تدريجياً من خليج عدن الذي يُشبه "تمزقاً صغيراً في قطعة ملابس"، ثم يمتد جنوباً إلى داخل العمق الأفريقي، ليفصل كتلتين أرضيتين ويخلق بينهما محيطاً جديداً.

النتائج الجيولوجية المحتملة: محيط يولد من رحم اليابسة
أوضحت الدراسة أن الصدوع الجيولوجية التي بدأت في التوسع من منطقة عفار تتسبب في تمدد وتَرَقُّق القشرة الأرضية، ومع استمرار هذه العملية، سينفصل الجزء الشرقي من أفريقيا تماماً، ما يؤدي إلى دخول مياه البحر وتشكل محيط جديد بين الكتلتين.

وقالت الدكتورة واتس: "ما يحدث في عفار هو مشهد نادر جداً على مستوى العالم. نحن لا نشهد فقط حركة الصفائح التكتونية، بل أيضاً بداية ولادة محيط جديد داخل القارة".

رحلة البحث: 130 عينة وبيانات متقدمة
استندت الدراسة إلى تحليل أكثر من 130 عينة من الصخور البركانية المأخوذة من مناطق مختلفة داخل حوض عفار، إضافة إلى استخدام نماذج إحصائية متقدمة لرسم خريطة جيولوجية للمنطقة، وكشف بنية القشرة الأرضية والوشاح السفلي الذي يُغذي هذا النشاط التكتوني غير المألوف.

ماذا يعني ذلك للإنسانية؟
رغم أن هذا الانقسام لن يُحدث أثراً مباشراً على البشرية في المدى القريب، فإن فهم هذه الظواهر يُعد أساسياً للتنبؤ بالمستقبل الجيولوجي للكوكب، وتقدير المخاطر الطبيعية المحتملة مثل الزلازل والبراكين، كما يُمكن أن يفتح آفاقاً جديدة لفهم كيفية تشكل القارات والمحيطات منذ ملايين السنين.

وتُعد هذه الدراسة واحدة من أبرز المؤشرات العلمية على أن الأرض كوكب حيّ، لا يزال يتغير ويتطور باستمرار، وأن الجغرافيا التي نألفها اليوم ليست سوى لقطة مؤقتة من شريط طويل من التحولات الجيولوجية.