مع احتدام المواجهات العسكرية بين إسرائيل وإيران، والتي بلغت ذروتها يوم الجمعة 13 يونيو، بدأت تداعيات الأزمة الإقليمية تتسلل سريعًا إلى الداخل المصري، مثيرةً مخاوف متزايدة بشأن تداعياتها الاقتصادية. فعلى الرغم من أن مصر ليست طرفًا مباشرًا في الصراع، إلا أن موقعها الجغرافي الحساس، واعتمادها الكبير على الطاقة المستوردة، جعلاها من أولى الدول المتأثرة بالتطورات المتسارعة.

ووفقًا لعدد من الخبراء الاقتصاديين، فإن الاشتباك العسكري بين طهران وتل أبيب تسبّب في سلسلة من الصدمات للأسواق المصرية، طالت قطاعات حيوية مثل الغاز والكهرباء، والنقد الأجنبي، والبورصة، والاستثمارات الأجنبية، بالإضافة إلى قناة السويس والسياحة، وسط توقعات بتصاعد التضخم وارتفاع الأسعار محليًا.

 

تدابير طوارئ ومأزق متجدد في ملف الطاقة

ردًا على توقف تدفق الغاز الإسرائيلي إلى مصر، وهو ما حدث نتيجة إغلاق مؤقت لحقل "ليفياثان" عقب التصعيد العسكري، أعلنت حكومة الانقلاب، برئاسة مصطفى مدبولي، تفعيل خطط طوارئ شاملة. وذكر بيان رسمي أن هذه الخطط تتضمن إيقاف إمدادات الغاز لبعض القطاعات الصناعية، وتشغيل محطات الكهرباء باستخدام المازوت والسولار كبدائل مؤقتة.

لكن هذه الحلول المؤقتة لا تخفي حجم الأزمة. إذ تعتمد مصر على الغاز الإسرائيلي ليس فقط لتوليد الكهرباء، بل أيضًا في تصدير الغاز المسال إلى أوروبا، ما يجعل توقف الإمدادات ضربة مزدوجة: خسارة في تأمين الاستهلاك المحلي، وخسارة في الإيرادات من إعادة التصدير. وقد عبّر محللون عن قلقهم من عودة سيناريو تخفيف الأحمال وقطع الكهرباء خلال الصيف، كما حدث في العامين الماضيين.

 

ارتفاع أسعار النفط والغاز.. عبء إضافي على الموازنة

التوتر الإقليمي دفع بأسعار النفط للارتفاع بنسبة تقارب 7%، بينما ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا بنسبة 2.85%. وبالنسبة لمصر، التي استوردت في العام 2024 ما قيمته 10.5 مليار دولار من المنتجات البترولية، فإن أي زيادة في الأسعار العالمية تعني تلقائيًا زيادة الضغط على احتياطيات النقد الأجنبي، البالغة نحو 48 مليار دولار، وارتفاعًا في عجز الموازنة المقبلة (2025/2026).

ومن شأن هذه المستجدات أن تدفع الحكومة لمراجعة سياساتها التمويلية، وربما اتخاذ قرارات صعبة تتعلق برفع الدعم مجددًا عن الوقود، خاصة في ظل تكرار تحريك الأسعار خلال السنوات الأخيرة.

 

ضغوط مضاعفة على قناة السويس والسياحة

من جانب آخر، تُضاف هذه الأزمات إلى الضغوط المستمرة التي تواجه قناة السويس، إذ تراجعت إيراداتها بنحو 800 مليون دولار شهريًا منذ نهاية 2023، بفعل تحول شركات شحن كبرى إلى طريق رأس الرجاء الصالح هربًا من التوترات في البحر الأحمر. ويتوقع الخبراء أن تتفاقم هذه الخسائر إذا ما استمرت المواجهات الإقليمية أو توسعت لتشمل مناطق أخرى تهدد أمن الملاحة.

في السياق ذاته، بدأت ملامح التراجع تظهر في قطاع السياحة، لا سيما مع تراجع الحجوزات الوافدة إلى مصر، وإلغاء عدد من الرحلات الجوية من وإلى دول الجوار مثل لبنان والأردن والعراق. كما أُحبطت آمال القطاع في استقبال السياح الإيرانيين بعد الاتفاقات المبدئية الأخيرة بين القاهرة وطهران، والتي كان من المتوقع أن تفتح سوقًا جديدة واعدة.

ووفق إحصاءات عام 2024، استقبلت مصر 15.8 مليون سائح، وحققت إيرادات بقيمة 15.3 مليار دولار. إلا أن هذه المكاسب باتت مهددة، خصوصًا أن السياحة تُعد أحد أبرز مصادر العملة الصعبة في مصر، وتُظهر حساسية شديدة لأي اضطرابات إقليمية.

 

تحذيرات من تفاقم التضخم وتآكل القوة الشرائية

انعكاسات المواجهة لم تتوقف عند الطاقة والسياحة، بل امتدت إلى الداخل المعيشي للمصريين، مع ارتفاع متوقع في أسعار السلع الغذائية والمنتجات المرتبطة بالطاقة. وقد بدأت حكومة السيسي بالفعل في رفع أسعار الغاز الطبيعي المنزلي بنسبة تتراوح بين 25% و40%، ما يعكس بداية موجة تضخمية جديدة. ويخشى كثيرون من أن تتزامن هذه الموجة مع فترة الأعياد، ما يزيد من الضغوط الاقتصادية على الأسر.

وفي ظل شح الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتراجع الأموال الساخنة، وتوقف بعض الطروحات الحكومية، تبدو الأوضاع الاقتصادية مرشحة لمزيد من التحديات في حال استمر التصعيد في الإقليم أو تحول إلى مواجهة أوسع نطاقًا.