واجهت إسرائيل اختبارًا غير مسبوق لدبلوماسيتها العامة خلال حرب غزة، كما ظهر بوضوح في الحوار الحاد صباح الأربعاء بين المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية ديفيد منسر ومقدم برنامج "توداي" في إذاعة بي بي سي نِك روبنسون.
أكد منسر أنه يتحدث باسم رئيس الوزراء وكرّر الرواية الرسمية التي تتهم حماس باستخدام المدنيين كدروع بشرية، واصفًا الحركة بأنها "عبادة موت إباديّة". وقال: "نواجه مفارقة أخلاقية خلقتها حماس؛ إذا قصفنا، يُدان فعلنا، وإن لم نفعل، نُكافئ استخدام الدروع البشرية".
لكن جوهر المواجهة تمحور حول الحصار المفروض على غزة. بدا واضحًا لبعض المستمعين أن منسر يحاول التعتيم المتعمد على الواقع الموثق ميدانيًا، لأسباب سياسية وأيديولوجية واستراتيجية.
ادعاء إسرائيل بعدم وجود جوع في غزة يصعب الدفاع عنه، وكذلك زعم منسر بوجود أسواق مفتوحة. رغم توفر بعض السلع الأساسية بشكل محدود، فإن الغالبية العظمى من سكان القطاع، البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، لا يستطيعون شراء ما يكفي للبقاء على قيد الحياة. وإن تمكنوا، فإن الكميات المتاحة لن تكفي سوى لأعداد ضئيلة.
تنتشر في الأسواق كميات محدودة من الطحين المتعفن، ويبلغ سعر كيس الطحين (25 كج) مئات الدولارات، بينما تباع البطاطا والطماطم بما يتراوح بين 10 و15 دولارًا للكيلو. الحليب ومشتقاته غائبة تمامًا، واللحوم شبه معدومة. توقفت المخابز المجانية منذ أسابيع لنفاد الوقود والطحين، وتغلق المطابخ المجتمعية التي كانت توفر مليون وجبة يوميًا أبوابها سريعًا. مخازن كبرى لمنظمات مثل برنامج الغذاء العالمي والأونروا فرغت بالكامل.
يعيش كثير من السكان على المعلبات والفول المجفف، وهي موارد محدودة أصلًا. في المقابل، تنتظر آلاف الأطنان من الغذاء والدواء والمساعدات دخول القطاع، لكنها لا تصل إلا بفتح الحواجز الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية.
خلال الهدنة التي استمرت عشرة أسابيع بدءًا من منتصف يناير، دخلت كمية من المساعدات خُزّنت داخل القطاع، لكنها استُهلكت بالكامل، ولم تعوض الدمار الذي ألحقته الحرب بالبنية التحتية الزراعية، وأنظمة المياه والصرف الصحي، والمرافق الصحية. أضعف ذلك السكان وجعلهم أكثر عرضة للأمراض، وفق شهادات العاملين في الإغاثة الذين أشاروا إلى تراجع حاد في توفر الأدوية الأساسية وسوء تغذية متزايد.
صور الأطفال الهزيلين تشهد على الواقع. وبينما حاول منسر التقليل من دلالتها، أكد تقرير صدر الإثنين عن "التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي"، وهو تجمع خبراء يقدم النصح للأمم المتحدة والحكومات، أن سكان غزة يواجهون "خطر مجاعة حرجًا".
بين 1 أبريل و10 مايو، دخل نحو 244 ألف شخص في غزة المرحلة الخامسة من التصنيف – "كارثة/مجاعة". التقرير رصد "تدهورًا كبيرًا" منذ التقييم السابق في أكتوبر 2024.
أنكر منسر استخدام إسرائيل للجوع كسلاح، متسائلًا: "لو كانت إسرائيل تستخدم التجويع، لماذا أرسلت مساعدات تكفي لملء ملعب ويمبلي 80 مرة؟"
لكن المساعدات التي دخلت غزة خلال 19 شهرًا لم تكن كافية، وشابها بطء الإجراءات وبيروقراطية شديدة، وعُرقلت شحنات كثيرة، وصعُب توزيعها في ظل دمار واسع وعنف مستمر.
منذ بدء الهجوم الإسرائيلي، قُتل نحو 53 ألف شخص، وانهارت البنية التحتية للخدمات والصحة والمياه. الطرق مغطاة بالركام، والجرافات تُستهدف بانتظام.
تؤكد إسرائيل أن حماس تستولي على المساعدات وتبيعها لتمويل أنشطتها، ما يبرر تقييد دخولها، خاصة أن الحركة قتلت أكثر من 1200 شخص في هجوم 7 أكتوبر 2023، وتحتجز 57 رهينة من أصل 251 اختطفتهم.
طرحت إسرائيل خطة توزيع مساعدات عبر ستة مراكز جنوب غزة تُديرها شركات خاصة وتحميها قوات إسرائيلية. لكن منظمات الإغاثة رفضت التعاون، ووصفت الخطة بأنها غير عملية وخطيرة، وقد تكون غير قانونية لأنها تُجبر مئات الآلاف على النزوح نحو مناطق أصغر داخل القطاع.
https://www.theguardian.com/world/2025/may/14/isreal-no-hunger-in-gaza-narrative-flies-in-face-of-obvious-evidence-famine