بدأ صندوق النقد الدولي المراجعة الخامسة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي المصري في القاهرة خلال الفترة الحالية.
وتأتي هذه المراجعة بعد أشهر قليلة من موافقة الصندوق في مارس على صرف شريحة 1.2 مليار دولار لمصر عقب استكمال المراجعة الرابعة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي
ومن خلال المراجعة، يُقيّم الصندوق مدى التزام مصر بتنفيذ السياسات الاقتصادية، تمهيداً لإصدار قرارات حاسمة بشأن تقديم دفعات جديدة من القروض. في الوقت ذاته، تثير هذه الإصلاحات العديد من التساؤلات حول تأثيراتها الاجتماعية والاقتصادية، خصوصاً في ظل التحديات الراهنة التي تواجهها البلاد.
تقييم تنفيذ السياسات الاقتصادية
المراجعات المتتالية تشكل جزءاً أساسياً من التفاهم بين مصر والصندوق والتي تركز على تقييم تنفيذ السياسات الاقتصادية المتفق عليها. كما تُعد المراجعة حاسمة لأنها تحدد ما إذا كانت مصر ستتلقى دفعة جديدة من القروض المطلوبة لاستكمال البرنامج.
تتناول المراجعة بعض الملفات بما في ذلك تخارج الدولة من بعض الأنشطة، والتوقف عن مزاحمة القطاع الخاص ليقوم بدور أكبر في النشاط الاقتصادي بما يخفف من عبء الديون الحكومية. كما أن مسألة مرونة سعر الصرف أيضاً دائماً ما تكون حاضرة في المناقشات بين الحكومة المصرية والصندوق بالإضافة إلى الإصلاحات الضريبية والمؤسسية.
الهدف والتأثيرات
تأتي المراجعة الخامسة في إطار البرنامج الموقع مع الصندوق، بعدما وافق مطلع إبريل الماضي، على صرف الشريحة الرابعة من القرض بقيمة 1.2 مليار دولار، إثر موافقة مجلس المديرين التنفيذيين على نتائج المراجعة الرابعة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تنفذه مصر.
في مارس 2024، تمكنت مصر ، من زيادة حجم برنامج صندوق النقد من 3 إلى 8 مليارات دولار، ما مكّنها من جذب تمويلات واستثمارات أسهمت في دعمها للخروج من الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالبلاد بداية 2022.
في 16 فبراير الماضي، قالت كريستالينا غورغييفا، المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي، إن الصندوق سيظل يدعم الاقتصاد المصري، بالتزامن مع تنفيذه للإصلاحات الاقتصادية. وأشارت حينذاك إلى أن "المسائل السياسية خارج اختصاصها"، في إشارة إلى ضغوط الرئيس الأميركي دونالد ترامب على مصر بشأن تهجير جزء من سكان غزة إليها، وفقًا لـ"الشرق".
تهديد الاستقرار الاجتماعي
يرى صندوق النقد الدولي مشكلتين أساسيتين تهددان الاستقرار الاجتماعي في مصر، هما التضخم الذي يؤثر على الفئات الأكثر ضعفاً، وغياب فرص العمل الذي يؤثر على الطبقة الوسطى، حسبما أشار مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق جهاد أزعور في مطلع مايو. ويعمل الصندوق من خلال البرنامج الذي يدعمه لفائدة مصر، بحسب أزعور، على 3 أهداف هي رفع مستويات النمو، وإشراك القطاع الخاص بشكل أكبر بالنشاط الاقتصادي، إضافة لمعالجة مشكلة التضخم.
وتعهدت مصر ببيع أكثر من 24 أصلاً في حوزتها ضمن خطة مدعومة من صندوق النقد تهدف إلى تقليل الدور الكبير للدولة في الاقتصاد مع جذب الأموال الأجنبية الضرورية، وفق "بلومبرغ" في أكتوبر الماضي.
الآثار الاجتماعية
تتطلب الإصلاحات الاقتصادية التي ينفذها برنامج صندوق النقد الدولي تقليص الدعم الحكومي لبعض السلع والخدمات الأساسية مثل الوقود والكهرباء، مما يؤدي إلى زيادة الأسعار في السوق المحلي.
وقال قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي في 20 أكتوبر 2024 إن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي يُنفذ في ظل "ظروف إقليمية واقتصادية صعبة للغاية"، في إشارة إلى الصراعات حينذاك بين إسرائيل وحماس وحزب الله. وإنه سيكون من الضروري مراجعة الاتفاق إذا أصبحت الضغوط المالية لا تُطاق بالنسبة لعموم المصريين.
وفي 11 إبريل الماضي، رفعت مصر، للمرة الثانية خلال 6 أشهر، أسعار المواد البترولية، متوقعة أن تحقق وفراً قدره 35 مليار جنيه في ميزانية السنة المالية الحالية 2024-2025. وبلغت قيمة دعم المواد البترولية خلال النصف الأول من العام المالي الحالي 2024-2025 نحو 71 مليار جنيه، بحسب التقرير النصف السنوي لوزارة المالية. كما سبقت ذلك زيادة سعر رغيف الخبز المدعم بنسبة 300% في مايو 2024، وهي أول زيادة من نوعها منذ أكثر من ثلاثة عقود، وربطا العديد من المحللين بتطبيق مصر لشروط برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي وضعه صندوق النقد.
كما أن معدل التضخم في مدن مصر تسارع خلال مارس الماضي ليبلغ 13.6% على أساس سنوي مقابل 12.8% في فبراير، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وهو أول تسارع لأرقام التضخم خلال آخر 6 أشهر، متأثراً بعوامل مثل زيادة أسعار الوقود وتذاكر وسائل النقل العام، بما في ذلك القطارات ومترو الأنفاق.
وفي وقت سابق من العام، أطلقت مصر حزمة اجتماعية جديدة لدعم الفئات المتضررة من ارتفاع الأسعار بقيمة 200 مليار جنيه "4 مليارات دولار" بحسب مصطفى مدبولي رئيس حكومة السيسي.
مستقبل الاقتصاد المصري
رفع الصندوق مؤخراً توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في مصر بمقدار 0.2 نقطة مئوية للعامين الجاري والمقبل، في الوقت الذي خفض فيه تقديراته لنمو منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ككل في العامين.
كما دعا صندوق النقد الدولي مصر في مطلع مايو إلى أن تتوخى الحذر في مسار خفض أسعار الفائدة، في ظل الضبابية العالمية الناتجة عن قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخيرة بشأن الرسوم الجمركية.
وكانت مصر قد خفضت أسعار الفائدة الشهر الماضي لأول مرة منذ نحو خمس سنوات، وذلك بعد تراجع معدل التضخم السنوي إلى 13.6%، أي أقل من نصف الذروة التي بلغها في سبتمبر 2023.
وفي مارس 2024، رفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة إلى مستوى قياسي بالتزامن مع تخفيض قيمة الجنيه بأكثر من 40%. وبقيت الفائدة دون تغيير حتى خفضها الشهر الماضي بواقع 225 نقطة أساس إلى 25%.
شهدت السوق المحلية في مصر خروج تدفقات أجنبية بأكثر من مليار دولار في إبريل، بحسب تقديرات "غولدمان ساكس"، بعد إعلان ترامب عن رسوم جمركية جديدة، مما أثار اضطرابات مالية عالمية.
وسجّل الجنيه المصري أدنى مستوياته التاريخية عقب التطورات، قبل أن يقلّص بعض خسائره. وتخضع مصر للحد الأدنى من الرسوم الجمركية الأميركية، والمقدرة بـ10%. ورغم الخفض الأخير، يبقى معدل الفائدة الحقيقي –المعدل حسب التضخم– من بين الأعلى عالمياً، عند نحو 11.5%.
المخاطر المحتملة في المراجعة الخامسة
هناك العديد من المخاطر المحتملة في المراجعة الخامسة، ونذكر منها:
تأخر صرف الشريحة الخامسة: في حال لم تقتنع بعثة الصندوق بجدية الإصلاحات، قد يتأخر صرف التمويل مما يزيد الضغط على السيولة الدولارية والاحتياطي النقدي.
التضخم والاحتجاجات الاجتماعية: سجل معدل التضخم في مارس الماضي أول ارتفاع له منذ ستة أشهر، ليبلغ 13.6% متأثراً بزيادة أسعار الوقود والنقل.
كما شهد مايو 2024 رفع سعر رغيف الخبز المدعم بنسبة 300% لأول مرة منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وهو ما أثار غضباً شعبياً كبيراً.
إرهاق الطبقات المتوسطة والفقيرة: الإجراءات المرتبطة بالمراجعات غالباً ما تُترجم إلى مزيد من التقشف، وهو ما يُضعف الاستقرار الاجتماعي.
كوارث المراجعات السابقة: دروس قاسية لم تُستوعب بعد
المراجعات الأربع السابقة شهدت محطات حرجة أثّرت على الاقتصاد والمجتمع بشكل مباشر:
المراجعة الأولى: تأخر صرف الشريحة الأولى نتيجة تباطؤ الحكومة في تنفيذ إصلاحات متعلقة بمحاربة الفساد وتوسيع القاعدة الضريبية.
المراجعة الثانية: تراجُع حاد في قيمة الجنيه المصري، ما أدى إلى موجة غلاء غير مسبوقة، وهروب ملحوظ لرؤوس الأموال من سوق الأوراق المالية.
المراجعة الثالثة: شهدت البلاد أزمة طاقة حادة، وارتفعت فاتورة الكهرباء على المواطنين، في ظل خسائر كبيرة لشركات الكهرباء العامة وتأجيل إصلاحات هيكلية متعلقة بها.
المراجعة الرابعة: رغم صرف الشريحة الرابعة، لم تحقق الحكومة تقدماً ملموساً في ملف خصخصة الشركات المملوكة للدولة، كما تآكل الاحتياطي الأجنبي نتيجة انخفاض التحويلات الخارجية والسياحة.