ضربة غير متوقعة تلقتها القاهرة من أحد أقرب شركائها التجاريين، حين فرضت الإدارة الأميركية رسوماً جمركية جديدة طاولت صادرات مصر بنسبة 10%، ما فاقم التوترات داخل الأوساط الصناعية والاستثمارية وأشعل موجة من القلق في الأسواق المحلية.

يأتي هذا القرار ضمن حزمة تعرفات جمركية شملت 184 دولة، في خطوة فجائية أعلن عنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب أثناء حملته الانتخابية للعودة إلى البيت الأبيض، وُصفت بأنها "إجراء حمائي عدواني" يهدد استقرار شركاء واشنطن الاقتصاديين حول العالم.
 

كابوس في قطاع الصناعة والتصدير
   أثر القرار الأميركي مباشرة في الشركات المصرية العاملة ضمن اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة (الكويز)، وهي اتفاقية ثلاثية تسمح بدخول المنتجات المصرية المحتوية على مكونات إسرائيلية بنسبة لا تقل عن 10.5% إلى السوق الأميركية دون رسوم جمركية.

ومع أن هذه الاتفاقية لطالما شكلت طوق نجاة لصناعات مثل الملابس الجاهزة والبتروكيماويات، فإن الرسوم الجديدة ألغت عمليًا امتيازاتها، ما أوقع صدمة في أوساط المستثمرين.

وبحسب أحمد زكي، أمين عام شعبة المصدرين، فإن القرار أدى إلى توقف شحنات، وتراجع في التعاقدات الجديدة، وانخفاض حاد في أرباح الشركات، ودعا زكي الحكومة إلى الإسراع باستئناف برامج دعم الصادرات وتفعيل مفاوضات ثنائية مع واشنطن لحماية حصص مصر السوقية.
 

الجنيه في مرمى النيران
   لم يكن التأثير محصورًا في القطاع الصناعي فقط، بل امتد إلى السوق المالية وسعر الصرف. إذ حذر محمد عبد الحميد، خبير أسواق المال، من تداعيات مباشرة على الجنيه، متوقعًا انخفاض قيمته بنسبة تصل إلى 7%، مع تصاعد التضخم إلى مستويات قد تتجاوز 30%.

وأشار إلى أن زيادة التكلفة الجمركية ستقلص عوائد الصادرات المصرية، وتضغط على احتياطي النقد الأجنبي، ما سيزيد الطلب المحلي على الدولار ويدفع البنك المركزي نحو العودة إلى سياسات نقدية متشددة قد ترفع سعر الفائدة إلى مستويات قياسية.
 

الذهب ملاذ المصريين في العاصفة
   وسط هذه الاضطرابات، لجأ المواطنون إلى الذهب كملاذ آمن لحماية مدخراتهم، فقفز سعر الأونصة إلى 157 ألف جنيه، بينما بلغ سعر جرام الذهب عيار 24 أكثر من 5 آلاف جنيهاً، في انعكاس مباشر لحالة الذعر من تراجع الجنيه وغياب الرؤية المستقبلية بشأن سعر الصرف.
 

أرقام تكشف حجم الأزمة
قيمة صادرات مصر للسوق الأميركية بلغت 2.5 مليار دولار بنهاية 2024.

حجم التبادل التجاري بين البلدين وصل إلى 8.6 مليارات دولار، مع فائض تجاري لصالح واشنطن بقيمة 3.5 مليارات دولار.

صادرات الملابس والمنسوجات شهدت ارتفاعاً بنسبة 6.7% مقارنة بعام 2023.

في المقابل، زادت الواردات المصرية من الولايات المتحدة بنسبة 36%، خاصة في قطاعات الوقود والمعدات النووية والطائرات.

وتعكس هذه الأرقام اعتماد مصر المتزايد على السوق الأميركية، ما يجعلها في موقف هش أمام أي تغييرات مفاجئة في السياسات التجارية لواشنطن.
 

دعوات لإعادة التوازن التجاري
   يرى مجدي طلبة، رئيس المجلس التصديري للملابس والصناعات النسيجية، أن أمام الحكومة خيارين: إما الدخول في مفاوضات ثنائية عاجلة لحماية حصتها في السوق الأميركية، أو التوجه إلى تنويع الأسواق المستوردة، لا سيما في أوروبا وأفريقيا.

وحذر من أن منافسين إقليميين مثل تركيا والمغرب يتربصون لاقتناص الفرص التصديرية التي قد تخسرها مصر، مستفيدين من مرونتهم التجارية وعلاقاتهم النشطة مع واشنطن.