بعد حرب إسرائيل على غزة، يرى كثير من المحللين أن الشرق الأوسط يشهد تحولًا جذريًا في توازنه الإقليمي. وتشمل التطورات التي تعزز هذا الرأي ادعاءات إسرائيل بالقضاء على حماس وحزب الله، واحتلالها أراضٍ جديدة في لبنان وسوريا، وتراجع نفوذ إيران في المنطقة، وسقوط نظام الأسد في سوريا، مما أدى إلى تحسن موقع تركيا الإقليمي.
كما أن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وتغيير نهج واشنطن يدعمان هذا التصور حول النظام الإقليمي الجديد. لكن، هل تمثل هذه التغيرات خروجًا حقيقيًا عن الأنماط السابقة في المنطقة؟
تحولات ليست جديدة بالكامل
رغم أن الدمار في غزة ولبنان غير مسبوق، إلا أن الاستراتيجيات العسكرية الإسرائيلية ليست جديدة. فحماس وحزب الله يشبهان منظمة التحرير الفلسطينية في السبعينيات والثمانينيات، عندما سعت إسرائيل إلى تدميرها واحتلال مناطق عازلة. لكن كما أظهرت التجربة في لبنان عام 1982، فإن الحروب الإسرائيلية قد تخلق أعداءً جدداً بدلًا من تحقيق الهيمنة الإقليمية.
تطرح هذه المعطيات تساؤلات حول مدى قدرة إسرائيل على تحويل تفوقها العسكري إلى سيطرة إقليمية حقيقية، خاصة في ظل محدودية مواردها البشرية.
إيران: ضعفت ولكنها لم تُهزم
رغم الحديث عن تراجع إيران، فإنها لا تزال لاعبًا رئيسيًا في المنطقة. صحيح أن هجومها الصاروخي الأخير على إسرائيل لم يحقق ردعًا كبيرًا، لكنه لم يُنهِ نفوذها. فما زالت طهران تحتفظ بحضور قوي في العراق، بينما خرج حلفاؤها الحوثيون في اليمن أكثر قوة من النزاع الأخير.
كما أن حماس وحزب الله، رغم تضررهما، لم يُهزما بالكامل، وإيران لا تزال تمتلك شبكة من المجموعات المسلحة في سوريا يمكنها استخدامها مستقبلاً.
الدور الأمريكي: استمرار لا قطيعة
على الرغم من أن ترامب قد يبدو عاملًا مؤثرًا في أي تحول إقليمي، إلا أن أولوياته – دعم إسرائيل وتشديد العقوبات على إيران – لا تختلف كثيرًا عن سياسات الإدارات الأمريكية السابقة. ورغم حديثه عن "السيطرة على غزة"، يبقى هذا الطرح غير واضح، وقد يكون مجرد أداة ضغط على حماس والقادة العرب.
سوريا ولبنان: بداية مرحلة جديدة؟
سقوط نظام الأسد يمثل حدثًا ضخمًا يشبه الإطاحة بصدام حسين عام 2003، مما قد يغير المشهد السياسي في سوريا تمامًا. ومع ذلك، يبقى مستقبل البلاد غامضًا، حيث يمكن أن تنزلق إلى مزيد من الفوضى والعنف.
أما في لبنان، فإن ضعف حزب الله قد يعيد تشكيل المشهد السياسي. فقد أدى ذلك بالفعل إلى إنهاء الجمود السياسي الذي استمر عامين بشأن انتخاب رئيس جديد، مما قد يساعد في تحريك عجلة الإصلاحات. لكن من المبكر الحكم على النتائج.
تركيا وتغير التحالفات
تحول سوريا إلى حليف لتركيا، مع احتمال إنشاء قواعد عسكرية تركية هناك، يمثل تحولًا مهمًا. فهذا يمنح أنقرة موطئ قدم عسكري أعمق في المنطقة، مما قد يزيد التوتر مع إسرائيل.
لكن هذا التطور ليس مفاجئًا بالكامل، حيث عززت تركيا نفوذها الإقليمي منذ صعود حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في 2002، ولديها بالفعل وجود عسكري في قطر وليبيا والصومال وشمال العراق وسوريا. لذا، فإن تحول دمشق من خصم إلى حليف هو تطور مهم لكنه استمرار لاستراتيجية تركية قائمة.
هل نحن أمام نظام جديد؟
كل عقد تقريبًا يشهد أحداثًا كبرى تهز الشرق الأوسط، مثل الربيع العربي في 2011، والحرب على الإرهاب في 2001، وحرب الخليج في 1991، والثورة الإيرانية في 1979. ومع كل أزمة، يتحدث المحللون عن "نظام جديد"، لكن غالبًا ما تكون هناك استمرارية أكثر من التغيير الفعلي.
حرب غزة وما تبعها من أحداث في لبنان وسوريا ربما عززت موقف إسرائيل وتركيا وأضعفت إيران وحلفاءها، لكن هذه التطورات ليست قطيعة تامة مع الماضي. كما أن سياسات دول الخليج ومصر لم تشهد تغييرات جوهرية، وإنما تكيفت مع الواقع الجديد دون تغيير استراتيجياتها الأساسية.
في النهاية، قد يكون العامل الأكثر تأثيرًا على مستقبل الشرق الأوسط هو التطورات خارج المنطقة، مثل تفاعل القوى العالمية مع رئاسة ترامب، أو إعادة تأهيل روسيا دوليًا. تلك العوامل قد تكون أكثر أهمية على المدى البعيد من التغيرات الداخلية في الشرق الأوسط.
https://www.middleeasteye.net/opinion/has-middle-east-reached-dawn-new-era