لطالما كان تحقيق السلام في الشرق الأوسط حلمًا راود العديد من الرؤساء الأمريكيين، لكن دونالد ترامب، الذي اشتهر بأسلوبه القائم على الصفقات، يرى نفسه قادرًا على تحقيق ما فشل فيه غيره.
يهدف ترامب إلى فرض رؤيته الخاصة على المنطقة، والتي تقوم على تحويل غزة إلى ما يسميه "ريفييرا الشرق الأوسط"، لكن العقبة الكبرى أمام هذه الخطة هي وجود الفلسطينيين في القطاع، مما دفعه إلى اقتراح نقلهم إلى "مكان أفضل".
غير أن هذه الرؤية تصطدم بتعقيدات سياسية وتاريخية وجيوسياسية تجعل نجاحها أمرًا مشكوكًا فيه.
نظرة ترامب لصفقة الشرق الأوسط
يعتمد ترامب على فلسفته التفاوضية التي أوضحها في كتابه فن الصفقة، حيث يؤمن بأن وضع مطالب مرتفعة في البداية يمكن أن يؤدي إلى نتائج مقبولة لاحقًا.
ومن هذا المنطلق، يبدو أن طرحه لفكرة "امتلاك أمريكا لغزة" ليس سوى وسيلة ضغط لدفع الأطراف المختلفة إلى تقديم تنازلات.
لكن المشكلة تكمن في أن لا أحد في المنطقة، سواء العرب أو الصهاينة، يريد رؤية غزة تحت سيطرة أمريكية.
وإضافة إلى ذلك، فإن خطة ترامب تعتمد على دعم الدول العربية القوية، إلا أن هذه الدول أبدت رفضًا واضحًا للفكرة، خصوصًا عندما تبين أن تنفيذها يتطلب تمويلًا عربيًا وترحيل الفلسطينيين قسرًا.
في هذا السياق، أعلنت مصر رفضها التام لمناقشة القضية خلال أي لقاء رسمي مع البيت الأبيض، بينما وافق الأردن فقط على استقبال ألفين طفل فلسطيني مريض كخطوة إنسانية، وهو رقم لا يمثل حتى 1% من سكان غزة.
التحديات الإقليمية وردود الفعل العربية
يبدو أن المقترحات الأمريكية الأخيرة دفعت الدول العربية إلى إعادة توحيد صفوفها، ليس فقط فيما بينها، بل أيضًا مع دول مثل تركيا وإيران.
من المتوقع أن تخرج القمة العربية المرتقبة في الرياض بموقف موحد يعيد طرح مبادرة السلام العربية، التي سبق تقديمها في أعوام 2002، 2007، 2017، و2024.
تدعو هذه المبادرة إلى انسحاب كامل للاحتلال الصهيوني من الضفة الغربية، القدس الشرقية، والجولان، إضافة إلى منح الفلسطينيين حق العودة.
لكن الاحتلال الصهيوني يرفض هذه المبادرة بشدة، معتبرة إياها تهديدًا وجوديًا.
ويبدو أن الموقف العربي ليس فقط رفضًا لخطط ترامب، بل هو أيضًا رد فعل على محاولاته لاستخدام أسلوب الضغط المالي.
فبعدما هدد ترامب بقطع المساعدات عن بعض الدول مثل الأردن ومصر، وجد نفسه يواجه مقاومة دبلوماسية متزايدة.
نجاح "اتفاقيات أبراهام" وتناقضات سياسة ترامب
في عام 2020، حققت إدارة ترامب إنجازًا كبيرًا باتفاقيات أبراهام، التي أدت إلى تطبيع العلاقات بين الاحتلال الصهيوني وعدة دول عربية دون أن يكون حل القضية الفلسطينية شرطًا أساسيًا.
كان هذا نجاحًا دبلوماسيًا لأنه سمح للدول العربية بالتعاون مع الاحتلال دون الدخول في تعقيدات النزاع الصهيوني الفلسطيني.
لكن ترامب، بطرحه الأخير حول غزة، يبدو وكأنه يهدم الأساس الذي قامت عليه هذه الاتفاقيات، إذ أن مقترحاته الأخيرة دفعت الدول العربية إلى التقارب مع بعضها ومع خصوم الولايات المتحدة، مثل إيران وتركيا، بدلاً من التقارب مع الاحتلال الصهيوني.
مأزق السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط
منذ بداية القرن العشرين، حاولت الولايات المتحدة مرارًا وتكرارًا التوصل إلى حل للنزاع الفلسطيني الصهيوني، لكن معظم المحاولات انتهت بالفشل بسبب تعقيدات المنطقة وتاريخها الطويل من الصراعات.
وعلى الرغم من أن ترامب يروج لنفسه كرجل صفقات قادر على تحقيق المستحيل، إلا أن الواقع السياسي في الشرق الأوسط لا يخضع لنفس القواعد التي تحكم الصفقات العقارية أو التجارية.
تاريخيًا، كل محاولات فرض حلول جاهزة من الخارج على المنطقة انتهت بالفشل، وترامب ليس استثناءً.
وإذا لم يتراجع عن نهجه الحالي، فمن المحتمل أن تتحطم خططه على صخرة السياسة الإقليمية المعقدة، تمامًا كما حدث مع الإدارات الأمريكية السابقة.
التركيز على الأولويات الاستراتيجية بدلاً من الحلول المستحيلة
بدلاً من محاولة فرض حل غير واقعي للنزاع الفلسطيني الصهيوني، قد يكون من الأفضل لإدارة ترامب التركيز على المصالح الأمريكية الاستراتيجية الحقيقية في الشرق الأوسط، مثل احتواء إيران ومواجهة التطرف.
فتورط واشنطن في خطة غير مدروسة لإعادة رسم الخارطة السياسية لغزة قد يؤدي إلى خسائر سياسية واقتصادية دون تحقيق نتائج ملموسة.
يحاول ترامب تطبيق نهجه القائم على عقد الصفقات على أكثر القضايا تعقيدًا في السياسة الدولية، لكن العقبات التاريخية والجيوسياسية تجعله يواجه صعوبات هائلة.
رفض الدول العربية لخطة "إعادة توطين الفلسطينيين" وعدم استعدادها لتمويل مشروع إعادة إعمار غزة وفق الرؤية الأمريكية يسلط الضوء على مدى صعوبة فرض حلول خارجية على المنطقة.
وبدلاً من محاولة تحقيق ما فشل فيه جميع الرؤساء الأمريكيين من قبله، قد يكون من الحكمة أن تركز الولايات المتحدة على مصالحها الاستراتيجية الحقيقية، مثل تحجيم النفوذ الإيراني والتعاون مع الحلفاء الإقليميين دون الانخراط في خطط غير قابلة للتطبيق.
وإلا، فإن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط ستظل عالقة في نفس الدوامة التي فشلت فيها لعقود.