في خطوة من شأنها تأجيج التوترات الإقليمية، أدرجت الحكومة الإثيوبية زيارة لسد النهضة ضمن فعاليات احتفالات "يوم النيل"، الذي يوافق 22 فبراير من كل عام، ما أثار اعتراضات رسمية من مصر التي اعتبرت هذه الخطوة استفزازًا يهدف إلى فرض أمر واقع في قضية السد المتنازع عليه.
تأتي هذه الخطوة وسط استمرار الخلافات الحادة بين مصر والسودان من جهة، وإثيوبيا من جهة أخرى، حول تداعيات السد على الأمن المائي لدولتي المصب.
 

رسالة سياسية أم مجرد فعالية احتفالية؟
   لم يكن إدراج زيارة سد النهضة في فعاليات "يوم النيل" مجرد قرار بروتوكولي، بل حمل في طياته رسائل سياسية واضحة، تؤكد فيها أديس أبابا على موقفها الأحادي في إدارة موارد النهر.
ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تمثل محاولة إثيوبية لكسب الشرعية الإقليمية لمشروع السد، في وقت تستمر فيه المفاوضات المتعثرة حول قواعد الملء والتشغيل.

وردًا على ذلك، عبرت مصر عن رفضها لهذه الخطوة، مشددةً على أنها تقوض فرص التعاون الإقليمي وتعكس استمرار النهج الأحادي الذي تنتهجه إثيوبيا.
وأكد وزير الموارد المائية والري المصري، هاني سويلم، خلال الاجتماع الاستثنائي لمجلس وزراء مبادرة حوض النيل في أديس أبابا يوم 21 فبراير، أن مثل هذه التحركات قد تؤدي إلى تصعيد التوترات الإقليمية، محذرًا من أن فرض سياسة الأمر الواقع لن يؤدي إلا إلى مزيد من التعقيد في ملف السد.
 

زيارة وزراء الري لسد النهضة.. موافقة ضمنية؟
   أثارت زيارة وزراء الري من دول حوض النيل لسد النهضة تساؤلات حول موقف هذه الدول من المشروع.
وفي هذا السياق، يرى أستاذ هندسة السدود، محمد حافظ، أن هذه الزيارة تعكس نوعًا من القبول الضمني من تلك الدول بمشروع السد، مشيرًا إلى أن غياب الاعتراضات الرسمية يعزز هذا الافتراض.

وأشار حافظ إلى أن مصر نفسها لم تتجنب زيارة السد في الماضي، حيث زار وزير الموارد المائية والري المصري السابق، محمد عبد العاطي، السد في وقت مبكر من مراحل إنشائه، برفقة وفد إعلامي كبير، ما يشير إلى أن مجرد الزيارة لا تعني بالضرورة تأييد المشروع.
غير أنه شدد على أن الموقف الرسمي المصري ما زال ثابتًا في رفض أي إجراءات أحادية تهدد الحصص المائية التاريخية لمصر والسودان.
 

إحياء المشاورات الإقليمية.. محاولة لتحقيق توافق؟
   في ظل هذه التوترات، شهد الاجتماع الوزاري الأخير إطلاق عملية تشاورية جديدة بين سبع دول، من بينها مصر، السودان، وأوغندا، وجنوب السودان، ورواندا، وكينيا، والكونغو الديمقراطية، بهدف تعزيز التعاون الإقليمي.
ورغم ترحيب القاهرة بهذه الخطوة، إلا أنها أكدت أن نجاح المشاورات يتطلب التزامًا بمبدأ الإجماع، محذرة من استخدامها كغطاء لتمرير سياسات أحادية الجانب، كما تفعل إثيوبيا.
 

اتفاقية عنتيبي.. جذور الخلاف القانوني
   يظل الاتفاق الإطاري لمياه النيل (CFA)، المعروف باتفاقية عنتيبي، من أبرز نقاط الخلاف بين دول الحوض.
ففي عام 2010، انسحبت مصر من الأنشطة الفنية لمبادرة حوض النيل بعد تعديل آليات اتخاذ القرار، حيث تم التخلي عن مبدأ الإجماع الذي كانت تعتبره القاهرة ضمانة لحماية حقوق جميع الدول المشاطئة.

ويوضح أستاذ القانون الدولي العام، أيمن سلامة، أن اتفاقية عنتيبي لا تتضمن إطارًا مؤسسيًا واضحًا للتنسيق بين الدول المتشاطئة، خلافًا لاتفاقيات دولية أخرى مثل اتفاقية نهر ميكونغ لعام 1995، التي تنظم التعاون بين عدة دول آسيوية.
ويرى سلامة أن إلغاء الحقوق التاريخية التي نصت عليها اتفاقية 1929، التي منحت مصر حق مراجعة أي مشاريع تقام على مجرى النيل، دون إيجاد بدائل توافقية، قد يزيد من حدة النزاع.