بينما تلتهم الهجمات الجوية الصهيونية المستمرة قطاع غزة وتدمره، سيكون تحدي إعادة بناء القطاع الفلسطيني أحد أكبر جهود إعادة الإعمار في تاريخ العصر الحديث.
منذ السابع من أكتوبر 2023، دمرت الغارات الجوية الصهيونية البنية التحتية في غزة بشكل مروع، تاركةً 2.3 مليون نسمة من سكانها في مواجهة معاناة كارثية ودمار هائل.
أسفرت هجمات الاحتلال الصهيوني عن استشهاد و إصابة أكثر من 157 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، ودمرت الآلاف من المنازل والمدارس والمستشفيات.
والآن، وبعد التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الاحتلال الصهيوني وحماس، يتركز اهتمام العالم على التحدي الهائل المتمثل في إعادة بناء غزة.
يُعطي الاتفاق في مرحلته الثالثة الأولوية لإعادة بناء غزة تحت إشراف عدة دول ومنظمات، ويحذر الخبراء من أن الطريق أمامهم مليء بالعقبات المعقدة، من كابوس لوجستي في إزالة الأنقاض إلى العبء المالي الضخم لإعادة الإعمار.
حجم الدمار
يغطي قطاع غزة 360 كيلومترًا مربعًا فقط، وقد عانى من دمار يشبه بعض من أسوأ أحداث الحروب في العالم، مثل قصف دريسدن في الحرب العالمية الثانية أو القصف الذري على هيروشيما وناغازاكي.
في تقرير من مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية في سبتمبر، تم الإبلاغ عن أن ثلثي المباني في غزة قد تعرضت للدمار.
وأشار التقرير إلى أن "66% من المباني المتضررة في قطاع غزة تمثل ما مجموعه 163778 مبنى، بما في ذلك 52564 مبنى دُمر بالكامل، و18913 تضرر بشدة، و35591 مبنى تضرر بشكل محتمل، و56710 مبنى تأثر بشكل متوسط".
أفاد تقييم آخر من مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية أن محافظة غزة كانت الأكثر تضررًا، حيث تأثرت 46370 هيكلاً، بينما تضررت مدينة غزة بـ 36611 هيكلاً، منها 8578 دُمرت تمامًا.
تقديرات سابقة من الأمم المتحدة في أبريل 2024 قدرت أن حوالي 370 ألف وحدة سكنية قد تضررت من قصف الاحتلال الصهيوني، منها 79 ألف تم تدميرها بالكامل.
قال بالاكريشنان راجاجوبال، المقرر الخاص للأمم المتحدة في مجال الإسكان، إن أكثر من 60-70% من مخزون غزة السكني قد تم تدميره، وفي شمال غزة ارتفعت هذه النسبة إلى 82%.
ذكرت التقارير الصادرة عن "مجموعة مأوى" بقيادة المجلس النرويجي للاجئين أن تسعة من كل عشرة منازل في غزة قد تضررت أو دُمرت بالكامل، بالإضافة إلى البنية التحتية الأساسية مثل المستشفيات والمدارس ومرافق المياه.
التكاليف والوقت وحصار الاحتلال الصهيوني
التكلفة المالية لإعادة بناء غزة تعتبر ضخمة أيضًا. في سبتمبر، توقع مكتب الدول العربية التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن تصل تكلفة إعادة الإعمار الإجمالية إلى أكثر من 40 مليار دولار.
من المتوقع أن تتراوح تكلفة المرحلة الأولى من التعافي - التي تركز على استعادة الخدمات الأساسية والبنية التحتية - بين 2 و 3 مليار دولار، وأن تستغرق من ثلاث إلى خمس سنوات.
وفي الوقت نفسه، قدّر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية أن الأضرار المادية في بنية غزة التحتية حتى نهاية يناير 2024 قد تصل إلى 18.5 مليار دولار - وهو رقم يعادل سبع مرات الناتج المحلي الإجمالي لغزة في عام 2022.
تقديرات أخرى تشير إلى أن إعادة بناء غزة قد تستغرق أجيالًا.
قدّر الخبير في الأمم المتحدة، راجاجوبال، أن إعادة الإعمار قد تستغرق حتى 80 عامًا تحت الظروف الحالية بسبب الاحتلال المستمر والحصار.
حتى في السيناريو المتفائل الذي يسمح للاحتلال الصهيوني بزيادة مواد البناء خمس مرات في غزة، يتوقع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن يستغرق إعادة بناء المنازل وحدها حتى عام 2040.
هذا التقدير لا يشمل إعادة بناء المستشفيات والمدارس ومحطات الكهرباء ومرافق المياه.
يتفق الخبراء على أن إعادة بناء غزة ستتأثر بشدة بالحظر الصهيوني، الذي يقيّد دخول المواد الأساسية للبناء.
السلامة وكمية الأنقاض
تشكل سلامة العودة إلى منازل السكان تحديًا كبيرًا آخر.
تقدر خدمة الأمم المتحدة لإزالة الألغام أن هناك 7500 طن من الذخائر غير المنفجرة متناثرة في غزة، وقد يستغرق إزالتها حتى 14 عامًا.
شددت شينا لو، مستشارة الاتصال للمجلس النرويجي للاجئين في فلسطين، على أهمية تقييم السلامة "بسبب خطر الذخائر غير المنفجرة والمباني الهشة من الناحية الهيكلية".
على مقياس الأنقاض في غزة، أظهرت تقييمات من برنامج الأمم المتحدة للبيئة في أغسطس أن هناك 42 مليون طن من الحطام - وهو ما يعادل 14 مرة من الحطام الناتج عن جميع النزاعات الإقليمية في الـ16 عامًا الماضية مجتمعة.
أفاد مسؤولون في الأمم المتحدة أن حوالي 37 مليون طن من النفايات الصلبة يجب إزالتها من غزة.
أكدت لو أن إزالة الأنقاض يجب أن تكون من أولويات العمل، ويجب أن تتم بالتنسيق مع عملية إزالة الذخائر غير المنفجرة.
حقوق الإسكان والأراضي والممتلكات
مسألة أخرى كبيرة في إعادة بناء غزة هي حقوق الإسكان والأراضي لسكانها الفلسطينيين.
وقالت لو: "على سبيل المثال، في المباني السكنية متعددة الطوابق، حيث كانت تعيش عائلات متعددة، سيكون السؤال هو كيفية ضمان وجود مساحة كافية للعائلات العائدة عندما لا توجد مساحة عمودية لإيواء الناس، وكيف يمكن توزيع الأراضي بشكل عادل".
وأشارت أيضًا إلى التحولات الضخمة في توزيع السكان عندما يُسمح للفلسطينيين بالتحرك بحرية داخل غزة.
مستقبل غزة وفلسطين
لا تزال هناك أسئلة حول من سيقود إعادة بناء غزة.
وقالت شيا: "هل سيكون القطريون، أم السعوديون، أم الأمريكيون؟ لديك كل هذه الطرق المتقاطعة في غزة"، مضيفًا أن التمويل الدولي والسياسة الداخلية ستكون أيضًا مسائل يجب التطرق إليها.
شددت شيا على أن عملية إعادة الإعمار "يجب أن يقودها الفلسطينيون في غزة، أولئك الذين تأثروا بـ 15 شهرًا من الأعمال العدائية".
وأضاف شيا أيضًا أنه لا بد من الحذر من التنمية غير المقيدة، محذرًا من أنه إذا أصبحت إعادة الإعمار مشروعًا سوقيًا حراً، فقد تفقد غزة هويتها، ويتم استبدالها بمدن حديثة تمحو أهميتها التاريخية والثقافية.