جماعة الإخوان المسلمين هي جماعة دعوية ذات منهج واضح ومعروف للجميع، ارتكزت منذ تأسيسها على التوجيهات القرآنية وهدي النبي صلى الله عليه وسلم، متبعةً بذلك منهجًا للتغيير التدريجي حدده الإمام حسن البنا في سبع مراحل تبدأ بإصلاح الفرد، ثم البيت، وتتصاعد تدريجيًا نحو بناء المجتمع، وصولاً إلى التمكين لدين الله في الأرض وتحقيق “الأستاذية”، حيث تسود قيم الإسلام ومبادئه في ظل حياة يتعايش فيها الجميع بسلام على اختلاف مشاربهم ودياناتهم.
وعلى مدار تاريخها، مرت الجماعة بالكثير من المحن والابتلاءات، شأن الأنبياء والرسل وأصحاب الدعوات السابقة. تلك المحن أثرت في الجماعة تأثيرات متباينة، إذ أسهمت في إظهار معادن الرجال، فمنهم من ضعف وارتكن، ومنهم من افتتن وترك الطريق، ولكن هناك من ثبت وقوى، واشتد عوده بفضل يقينه بالله ثم بجماعته ومنهجه ووضوح رؤيته. ورغم الجراح والابتلاءات، استمرت الجماعة تداوى جراحها بنفسها ، محتسبة ما أصابها لله سبحانه وتعالى، لتنهض من جديد وتسعى لمكانتها بين الناس، مواصلة عملها وبذلها لدين الله.
هذا الطريق الذي تسير فيه الجماعة منذ تأسيسها ليس وليد اللحظة، بل كان واضحًا منذ البداية، إذ قال الإمام البنا للإخوان: “ أحب أن أصارحكم إن دعوتكم لا زالت مجهولة عند كثير من الناس ويوم يعرفونها ويدركون مراميها وأهدافها ستلقى منهم خصومة شديدة وعداوة قاصية وستجدون أمامكم الكثير من المشقات وسيعترضكم كثير من العقبات وفي هذا الوقت وحده تكونون قد سلكتم سبيل أصحاب الدعوات…..
أما الآن فلا زلتم مجهولين ولا زلتم تمهدون للدعوة وتستعدون لما تتطلبه من كفاح وجهاد سيقف جهل الشعب بحقيقة الإسلام عقبة في طريقكم وستجدون من أهل التدين ومن العلماء الرسميين من يستغرب فهمكم للإسلام وينكر عليكم جهادكم في سبيله وسيحقد عليكم الرؤساء وذوي الجاه والسلطان وسيقف في وجهكم كل الحكومات على السواء وستحاول كل حكومة أن تحد من نشاطكم وأن تضع العراقيل في طريقكم...”. هذا الإدراك الواضح لطبيعة الطريق جعل الإخوان يدركون أن العقبات والابتلاءات جزء من مسيرة العمل الدعوي، وهو ما زاد من قدرتهم على مواجهة التحديات بالصبر والبذل مقتدين بموقف الرسول صلى الله عليه وسلم يوم حاصرهم الأحزاب وقال الله تعالي فى وصف المشهد (إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ) الأحزاب (10)
لينقسم الناس يومها منهم من قال ( يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ) ومن قال ( إن بيوتنا عورة وماهي بعورة ) ليفضحهم الله ( إن يريدون إلا فرارا ) إلى أن قال سبحانه وتعالي ( قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا ۖ وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا)
ليظهر بعد ذلك موقف ورأى المؤمنين
(وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22)
هذا حال الجماعة ومن آمن بفكرتها ومنهجها وعقد بيعته مع الله ابتداء على ذلك
ونجد من المثير للتساؤل هو موقف البعض ممن ترك الجماعة أو حتى من هم خارجها، حيث ينصبون أنفسهم قضاة لتقييم الجماعة ومحاسبتها، لا بناءً على أهدافها ومعاييرها الذاتية، ولكن وفقًا لآرائهم الشخصية وما يرونه هم “صوابًا”. ثم تجدهم يخرجون عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي لإعلان أحكامهم، معتقدين بذلك أنهم عادلون ومنصفون، غير مدركين أن ميزان العدالة الحقيقي يتطلب دراسةً موضوعية تنطلق من فهم عميق لمنهج الجماعة وأهدافها التى تضعها هي لنفسها وفقا لما تعلمه من نفسها من إمكانيات وقدرات ومقدرات.
وصنف آخر من المنتقدين اختار منهجا للتغيير مختلفًا عن منهج الجماعة ، (وهو حر في ذلك) . لكن ما يثير الاستغراب هو دعوتهم الجماعة وشبابها للانضمام إلى طريقهم، لا من خلال عرض منهجهم وانجازاتهم ولكن من خلال الطعن فى الجماعة مواقفها مستشهدين بأحداث ومواقف مبتورة أوصورا مجتزأة من سياقها.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا لا يعلن هؤلاء عن إنجازاتهم، أو يدعون جماعات أخرى كجماعة التبليغ، على سبيل المثال، للانضمام إليهم؟ أليس من الأجدى للجميع أن يقوموا بتوجيه طاقاتهم للعمل لله وترك ميزان الحكم والتقييم على الآخرين والانتقال من صفحات ومنصات التواصل الاجتماعي إلى ميادين العمل . فإن ساحة العمل الدعوي واسعة وتحتاج إلى جميع الجهود .