الدكتور محمد بديع، المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، والعالم البارز الذي يقترب من الثمانين، يعتبر مثالًا للتضحية والصمود أمام الظلم والقهر.
يُعد بديع واحداً من أهم العلماء في مجاله، وسبق أن اختير ضمن أفضل 100 عالم عالميًا، لكن هذا التقدير العالمي لم يمنعه من أن يُواجَه بسنوات من السجن والاضطهاد السياسي، حيث تعرض لمعاملة لا تتوافق مع أبسط حقوق الإنسان.
فمنذ ما يزيد عن أحد عشر عامًا، يتعرض بديع لمحاكمات تستند إلى اتهامات سياسية، وأُصدرت بحقه أحكام إعدام في أكثر من قضية، مما أثار استياءً عالميًا حول الأوضاع الحقوقية في مصر.

 

 

 

 

 

 

يبعث هذا الوضع رسالة واضحة عن حال البلاد التي تُعادي علماءها وتفشل في احترام حقوقهم.
يُعَد اضطهاد العلماء والمفكرين دلالة على الأزمة العميقة التي تعانيها البلاد، فبدلاً من الاستفادة من إمكانياتهم وتجاربهم، يُزجّ بهم في السجون ويُحرمون من أبسط الحقوق الأساسية، كالحق في الرعاية الصحية والمعاملة الإنسانية.
هذه السياسة الظالمة لا تضيع فقط جهودهم العلمية، بل تضعف أيضًا مكانة مصر العلمية والثقافية على الساحة العالمية، ويوثق لدى العالم الصورة الحالية لاستبداد النظام العسكري

وبالطبع، لا يمكن إغفال الدور السياسي لهذا الاضطهاد، حيث يرى العديد من المراقبين أن الصراع بين السيسي زعيم الانقلاب والإخوان المسلمين ليس خلافًا سياسيًا فحسب، بل هو صراع أيديولوجي يتجاوز مجرد تنافس على السلطة.
فالسيسي، ومن خلفه تحالفات داخلية وخارجية، يقف موقفاً صلباً ضد المشروع الإسلامي الذي تمثله جماعة الإخوان.
هذا الموقف يجد تأييداً من بعض القوى العالمية التي تشترك معه في هذا العداء للمشروع الإسلامي، ولا سيما الاحتلال الصهيوني، التي تنظر بعين الريبة إلى أي جماعة تتبنى هذا النهج.

إن هذا العداء الذي يظهره نظام السيسي للإخوان المسلمين لم يُظهر أي مرونة تُذكر، بل زاد من حدة الانقسامات داخل المجتمع المصري.
فمن جهة، هناك شعب يطمح لرؤية البلاد على طريق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ومن جهة أخرى، يقف النظام العسكري بمعاداته لأي فكر يعارض توجهاته
.
وقد أدى هذا إلى تقسيم المجتمع المصري بشكل ملحوظ، حيث يشعر كثير من المواطنين أن البلاد أصبحت منقسمة بين فئة قليلة تتمتع بالنفوذ والحماية، وأغلبية محرومة من حقوقها الأساسية.

وعلى الرغم من أن النظام العسكري يبرر هذه السياسات تحت ذريعة محاربة الإرهاب والتطرف، فإن الكثيرين يرون أنها في الحقيقة تمثل محاربة للفكر وللتعددية السياسية.
يتساءل الناس
: كيف يمكن لبلد يزعم السعي للتنمية والتقدم أن يضطهد علماءه ومفكريه؟ وهل يمكن لأي نظام، مهما كانت قوته، أن يضمن استقراراً فعلياً وهو يحارب جزءاً من شعبه؟

تؤكد تجربة الدكتور بديع وغيره من رموز الفكر والدعوة أن القمع لا يمكن أن يُخمد الصوت الرافض للظلم. فالدكتور بديع، الذي يعيش خلف القضبان في ظل أوضاع غير إنسانية، يبعث برسالة قوية: أن العلم والفكر والإيمان أسمى من أن تقهرهم السجون أو الأحكام الجائرة.

إن استهداف علماء الأمة ومفكريها لا يسهم إلا في زيادة عزلة النظام، ويظهر مدى بعده عن نبض الشارع الذي يبحث عن الحرية والكرامة. ستبقى مثل هذه الممارسات وصمة في تاريخ مصر، إلى أن تأتي لحظة تتصالح فيها البلاد مع ذاتها، وتعيد الاعتبار لعلمائها وقادتها، وتُعلي من شأن قيم العدالة والإنسانية.