مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، تزداد التكهنات حول تأثير فوز الرئيس السابق دونالد ترامب على منطقة الشرق الأوسط، وهي منطقة تعد واحدة من أكثر المناطق تعقيدًا وحساسية في السياسة الدولية.
على مدار رئاسته الأولى (2017-2021)، كانت سياسات ترامب تجاه الشرق الأوسط مثيرة للجدل، حيث اعتمد نهجًا يقوم على "أمريكا أولاً"، ودعم التحالفات القائمة على المصالح الاقتصادية والأمنية.
ولذا، فإن فوزه المحتمل بولاية جديدة قد يؤدي إلى تأثيرات جذرية على مختلف الملفات الساخنة في المنطقة، من الصراع الفلسطيني الصهيوني إلى الأوضاع في الخليج العربي، إيران، وسوريا.
الصراع الفلسطيني الصهيوني
يُعد ترامب واحدًا من أكثر الرؤساء الأمريكيين الذين تبنوا سياسة دعم غير مسبوقة للاحتلال الصهيوني.
خلال فترة رئاسته السابقة، اتخذ ترامب خطوات كبرى، مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف بالقدس عاصمة للكيان المحتل، وطرح "صفقة القرن"، التي كانت تهدف إلى حل النزاع ولكنها قوبلت برفض فلسطيني واسع.
إذا فاز ترامب بولاية ثانية، فمن المتوقع أن تواصل الولايات المتحدة تحت إدارته نهجها في تعزيز موقف الاحتلال الصهيوني على حساب المطالب الفلسطينية. هذا قد يؤدي إلى استمرار التوترات بين الفلسطينيين والاحتلال، ويؤدي إلى تأجيل أو إجهاض أي أمل في استئناف مفاوضات السلام القائمة على حل الدولتين.
كما أن احتمال توسيع اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل ودول عربية أخرى، والذي قد يفاقم من عزلة الفلسطينيين دوليًا.
التوترات مع إيران
إحدى السمات البارزة في سياسة ترامب الخارجية تجاه الشرق الأوسط كانت التعامل الصارم مع إيران.
ففي عام 2018، انسحب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني الذي تم توقيعه في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، وفرض عقوبات اقتصادية قاسية على طهران في إطار استراتيجية "الضغط الأقصى".
هذه السياسة أدت إلى تصعيد التوترات بين إيران والولايات المتحدة، وأثرت بشكل كبير على استقرار المنطقة.
في حال فاز ترامب بولاية ثانية، من المرجح أن تعود إدارته إلى تطبيق نفس النهج القاسي تجاه إيران، مما قد يعيد إشعال الأزمات في الخليج العربي ويؤدي إلى تصعيد عسكري محتمل بين الجانبين. قد تؤدي هذه السياسة أيضًا إلى تعميق عزلة إيران الاقتصادية وزيادة تدخلها الإقليمي في دول مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن، مما يزيد من تعقيد الأوضاع الأمنية في الشرق الأوسط.
تعزيز التحالفات مع دول الخليج
خلال فترة حكمه الأولى، أقام ترامب علاقات قوية مع دول الخليج، وخاصة السعودية والإمارات. هذه العلاقات تمحورت حول مصالح اقتصادية وأمنية مشتركة، بما في ذلك مبيعات الأسلحة الضخمة والتحالف ضد إيران.
كما دعمت إدارة ترامب هذه الدول في مواجهة التحديات الإقليمية مثل النفوذ الإيراني وحركة الحوثيين في اليمن.
إذا فاز ترامب مجددًا، فمن المرجح أن يستمر في تعزيز هذه التحالفات، مما قد يترجم إلى زيادة التعاون في المجالات الأمنية والعسكرية، وتوسيع الشراكات الاقتصادية. ومع ذلك، فإن هذا التحالف القوي قد يؤدي أيضًا إلى تعميق الانقسامات داخل المنطقة، خاصة مع استمرار الأزمة الخليجية بين قطر وجيرانها.
الأوضاع في سوريا والعراق
تعد الأزمة السورية واحدة من أعقد الملفات في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط.
خلال رئاسة ترامب، اتخذت الولايات المتحدة خطوات مفاجئة، مثل سحب القوات الأمريكية من شمال سوريا، مما فتح المجال أمام تدخلات إقليمية ودولية أوسع في البلاد، خاصة من قبل تركيا وروسيا.
في حال عاد ترامب إلى البيت الأبيض، قد يشهد الصراع السوري تطورات غير متوقعة، وقد يسعى ترامب إلى تقليص المزيد من الالتزامات العسكرية الأمريكية في المنطقة، وهو ما قد يؤدي إلى مزيد من الفراغ الأمني والسياسي، مما يسمح للقوى الإقليمية مثل إيران وتركيا بتعزيز نفوذها.
أما في العراق، فقد تسببت سياسة ترامب الصارمة تجاه إيران في تصعيد التوترات على الأرض العراقية، بما في ذلك الغارات الجوية التي أدت إلى مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني.
من المحتمل أن يستمر ترامب في اتباع سياسة تستهدف النفوذ الإيراني في العراق، مما قد يعمق من الأزمات السياسية والأمنية التي تعاني منها البلاد.
اتفاقيات التطبيع وموازين القوى الإقليمية
من أبرز ما يميز إدارة ترامب هو دوره في توقيع اتفاقيات التطبيع بين الاحتلال الصهيوني وعدد من الدول العربية، مثل الإمارات والبحرين والسودان والمغرب.
تلك الاتفاقيات كانت بمثابة تحوّل تاريخي في العلاقات العربية الصهيونية، وكانت تهدف إلى بناء تحالفات إقليمية جديدة تقوم على المصالح المشتركة، وخاصة في مواجهة التهديد الإيراني.
فوز ترامب بولاية ثانية قد يؤدي إلى توسيع هذه الاتفاقيات، وربما يدفع دولًا أخرى في المنطقة، مثل السعودية، إلى الدخول في مسار التطبيع مع الاحتلال.
هذا التحرك سيغير بشكل كبير من موازين القوى في الشرق الأوسط، حيث سيتم تجاوز الصراع الفلسطيني الصهيوني في الحسابات الإقليمية لصالح بناء شراكات اقتصادية وأمنية مع الاحتلال.
التأثير على العلاقات مع تركيا
العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا كانت متوترة خلال فترة ترامب، خاصة بسبب الخلافات حول الوضع في سوريا، وشراء تركيا لنظام الدفاع الصاروخي الروسي S-400.
مع ذلك، كان ترامب يحافظ على علاقة شخصية جيدة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
في حال فوز ترامب، من المتوقع أن تستمر العلاقة المعقدة بين البلدين، مع احتمالية تصاعد التوترات بسبب المصالح المتعارضة في سوريا وليبيا وشرق البحر المتوسط، وقد تشهد العلاقات الأمريكية التركية تقلبات مستمرة، خاصة مع استمرار تركيا في تعزيز سياساتها المستقلة في المنطقة.
في النهاية، فوز دونالد ترامب بولاية ثانية قد يؤدي إلى إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، مع تأثيرات كبيرة على مختلف الصراعات والتحالفات في المنطقة.
سياسات ترامب السابقة تشير إلى أنه سيواصل دعم الاحتلال الصهيوني بقوة، وتطبيق استراتيجية الضغط الأقصى على إيران، وتعزيز التحالفات مع دول الخليج.
هذا قد يؤدي إلى تصاعد التوترات في المنطقة وزيادة الاستقطاب الإقليمي.
في الوقت نفسه، قد تسعى دول أخرى إلى الاستفادة من الفرص الاقتصادية والأمنية التي قد تتيحها إدارة ترامب، مما يجعل من المنطقة ساحة لتحولات جديدة ومعقدة.