إن هذا الكون قائم على التوازن في كل جزئياته وكامل بنيانه، ومن بين التوازن الذي ينبغي أن ندركه توازن قوى الخير والشر، ومن قوى الخير جماعات المصلحين الذين قال الله الله عنهم ” والذين يُمَسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة غنا لا نضيع أجر المصلحين”، وغياب هذه الطائفة أو جزء منها يؤدي إلى فراغ يحدث بسببه ضعف التوازن فيتقدم المفسدون لملء هذا الفراغ الحاصل بغياب المصلحين.

وقد وقع في مصر فراغ هائل بسبب تغييب المصلحين من التيار الإسلامي الوسطي بتياراته المختلفة ووجد دعاة الشر من الليبراليين والملحدين والمثليين ودعاة النسوية وغيرهم حتى من منحرفي الأخلاق من تجار المخدرات والجنس والسلاح وغير ذلك وجدوا فجوة هائلة في المجتمع، وفرصة سانحة يمكنهم أن يتمددوا فيها فنشطوا مدعومين من الداخل والخارج مستغلين قنوات الدولة الرسمية من تعليم وإعلام وغير ذلك، يصحب ذلك كله ضعف المؤسسة الدينية الرسمية سواء أكان الأزهر الشريف أو وزارة الأوقاف وقد أحدث كل ذلك مظاهر غير معهودة في المجتمع المصري نرى آثارها في فراغ المساجد من الشباب وارتفاع نسب الطلاق والجريمة والتفكك الأسري، وتغير في المناخ الأخلاقي العام فبذاءة اللسان وعدم احترام الكبير وشيوع التبرج والحفلات الماجنة … إلخ مما يصعب حصره، وهذا لا شك مؤذن بخطر كبير لأنه يجرد الإنسان المصري من شخصيته الحقيقية التي عرفت على مدى الزمان بتدينها وهو كذلك مؤذن بغضب الله تعالى ومقته لأن المعاصي تزيل النعم وتجلب غضب الرب تعالى ما لم يتب الناس من خطاياهم بكل أنواعها الخطايا الفردية والجماعية، الخطايا السياسية والاجتماعية وغيرها.

ومن هنا نقول ليس لمصلحة مصر كوطن عربي أو دولة مسلمة أن يغيب الدعاة سجنا وقتلا وإبعادا، لن يكون ذلك إلا لمصلحة الكافرين والعلمانيين على اختلاف توجهاتهم ويجب أن يسعى أبناء الحركة الإسلامية إلى طرق ووسائل لتحريك هذا الوضع وتفكيك هذه الحالة للوصول إلى حالة من التوافق والتصالح العام ليجد الإسلاميون ودعاة الإصلاح مكانهم في الإصلاح واستبقاء الإسلام الحي الفاعل كروح تسري في المجتمع وعلاج ما أصاب مصر من أمراض وخلل عبر هذه العشرية الأخيرة.

– استغلال التصوف لإشباع الخواء الروحي بغرض السيطرة على عقول بعض الناس 

الطاقة الروحية أو لنقل القوة الروحية أحد المكونات الأساسية للإنسان وبالتالي للمجتمعات، والفراغ الروحي خطر كبير على الإنسان الحياة، وقد وضع الإسلام منهجا شاملا لحياة الناس يجمع بين المادة والروح والعقل، والتصوف باعتباره توجها روحيا ليس كله خطأ كما أنه ليس كله صواباً، وقد كان التصوف قديما منهجا إصلاحيا نشر أصحابه الإسلام في آفاق مختلفة من العالم، لكنه غدا اليوم آلة لتخدير الشعوب غالبا، وحرفها عن دروها الفاعل الصحيح بتحويل طاقتها وهمتها إلى عبادات فردية روحية ويا ليتها عبادات سالمة من البدع بل تحول إلى معتقدات خرافية وعبادات بدعية وتحول المتصوفة في غالبهم إلى سدنة للطغاة والمستبدين في العالم الإسلامي، تدعمه أنظمة الاستبداد بكل قوة، وتفسح له مساحات كبيرة بينما تضيق على الإسلاميين أصحاب الدعوات التي تؤسس لنهوض الأمة وكرامتها.

وهذا يفسر لنا تلك التوصيات التي رفعها تقرير مؤسسة راند الأمريكية والمنشور بعنوان ” الإسلام المدني الديمقراطي”، بدعم أمريكا للتصوف وتحريك الحكومات لتنفيذ هذا التوجه.

ولسنا ضد التصوف في الأصل إذا كان هذا التصوف متشرعا متبعا لنهج الصوفية الأوائل، ولكننا ضد التصوف بحالته تلك التي تعد منفذا لأعداء الأمة، وسبيلا لتخديرها وسكونها أمام أعدائها.

- علاقة التصوف بالفكر الباطني 

التصوف كما هو معلوم نوعان:

تصوف سني وقد نشأ في بيئة إسلامية معتمدا في تفاصيله على الكتاب والسنة، كان نقيا خالصا تخرج فيه الصالحون والعباد والزهاد والربانيون والمجاهدون مثل معروف الكرخي وذو النون المصري وأبو حامد الغزالي وابن عطاء الله السكندري وغيرهم من الكبار الفضلاء، ثم ما لبث أن اختلط ببدع وزيادات وأذواق عكرت صفوه لكنه لم يكن باطنيا.

 وتصوف فلسفي: وهو نوع تصوف خلط فيه أتباعه وأدعياؤه منهجهم في التربية والسلوك بتجارب وفلسفات اليونان بل حتى مناهج الهندوس وغيرهم من أصحاب الأديان حتى نقلوا إليه مقولات كفرية كالحلول والاتحاد والقول بوحدة الوجود وغير ذلك، ونحو في تفسير الشرع منحى باطنيا لو سلمت له الأمة لضاع دينها بالكلية، كما استعاروا مصطلحات غامضة ومضللة في هذا السبيل.

ومتصوفة اليوم أطياف وألوان وتيارات وطرق فمنهم القريب من الشرع يحتل منزلة هي أقرب إلى التصوف السني، ثم يتدرج في الابتعاد عن ذلك ليصل إلى عمق التصوف الباطني الفاسد.
فالحكم على التصوف والمتصوفة بحكم واحد يجافي الحقيقة ويكون حينئذ غير منصف ولا دقيق.

– اتساع ظاهرة التصوف طرقها وطقوسها الموالد والأضرحة والغناء بالمساجد

في آخر ثلاثة عقود كانت ظاهرة الطرق الصوفية بطقوسها وموالدها وغنائها وغلوها قد اختفت إلى حد عن الساحة المصرية نظرا لانتشار الإسلام الوسطي والدعاء المعتدلون الذي يحاربون البدع فوجد الناس ضالتهم في هذه الوسطية، وأعرضوا عن تلك الخرافات الصوفية بكل مظاهرها إلا قلة من العامة والخاصة ممن باعوا عقولهم ودينهم.

ثم لما غيب هؤلاء الدعاة الوسطيون الفاعلون ملأ الساحة هذا النوع من التصوف بكل حمولاته ومشتملاته مرة أخرى بفعل المستبدين كما ذكرنا آنفا ولعل الله تعالى يأذن بفرج قريب للدعاة المصلحين ليعيدوا مصر مرة أخرى إلى مكانتها الطبيعة بين الأمة الإسلامية.