"كان يفترض أن أتخرّج هذه السنة، وهو ما كنت أنتظره بفارغ الصبر، لكنّني وجدت نفسي بلا أي مقدّمات من دون تخرج أو جامعة أو حتى بيت. أتمنى بعد المعاناة والنزوح والجوع والذل أن أحظى بفرصة أخرى، وأن تُمدّ لنا يد المساعدة لمتابعة الدراسة"
هكذا عبرت الطالبة آية بسام أبو سعادة، -بالسنة الرابعة باختصاص التغذية في جامعة الأزهر، عن خيبة أمل و حسرة وألم عن عدم قدرتها وإخوتها على مواصلة تعليمهم وعامهم الدراسي في غزة التي ما زالت تتعرض منذ نحو 6شهر لحرب شرسة يشنها الجيش الصهيوني لم تستثن المدارس والمؤسسات التعليمية.
ويناشد الدكتور جهاد حمّاد، رئيس قسم علم الأدوية في كلية الطب والعلوم الحياتية في جامعة "كينغز كوليدج لندن"، الدول العربية التفكير في صياغة مبادرة مشتركة أو أخرى على صعيد الأوطان، لاستيعاب جزء من طلاب وطالبات غزة.
ويقول إنه "نظراً إلى المعاناة المأساوية التي يعيشها طلاب وطالبات جامعات غزة بسبب تدمير الاحتلال الإسرائيلي كل مؤسسات التعليم العالي، أعتقد أن الحلّ الأكثر منطقية هو استيعاب أكبر عدد ممكن منهم في جامعات بالوطن العربي". ويقترح تنفيذ هذه القضية الإنسانية الملحة عبر التركيز على طلاب كليات الصحة، وهي الطب وطب الأسنان والصيدلة والتمريض والعلاج الطبيعي، وأولئك في أقسام الهندسة وعلوم الكيمياء والفيزياء، باعتبار أنه "يصعب استئناف الدراسة والتدريب في هذه الكليات حتى لو توقفت الحرب".
ويحدد عدد الطلاب والطالبات الذين قد تشملهم المرحلة الأولى من مبادرة الاستيعاب بنحو 30 ألفاً ويستبعد أن يشكلوا ضغطاً كبيراً على المؤسسات الأكاديمية في حال توزعوا على عدد كبير من جامعات البلدان العربية. ويشير حمّاد إلى أنه يعرف أنه يصعب استيعاب جميع طلاب وطالبات الجامعات والكليات والمعاهد في قطاع غزة الذين يتجاوز عددهم 80 ألفاً، لكنه يأمل في حال نجاح الخطوة الأولى من المبادرة أن تمتد لتشمل بقية الطلاب وأولئك الذين يتقدمون لشهادات الماجستير والدكتوراه وآخرين يتابعون تخصّصات نظرية.
ويقول سامر أبو راس، المسؤول الإعلامي في الشراكة العالمية من أجل التعليم لـ"العربي الجديد": "نشعر بقلق كبير من تدمير الجامعات وتأثيره الكارثي على مستقبل الطلاب وغزة كلها، ونركّز على تزويد الأطفال والشباب، وبينهم المتضرّرون من الهشاشة والصراع، بتعليم جيد، علماً أن التعليم العالي يقع خارج نطاق خبرتنا".
أمّا الدكتور عماد الإمام، المستشار في الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي في الكويت : "دعمنا كل جامعات غزة من خلال تمويل مشاريع لتشييد مبانٍ جديدة وشراء مختبرات ومعدات وأنظمة لتوليد الطاقة الشمسية، وتسديد رسوم طلاب، ونحزن لضياع هذه الاستثمارات نتيجة الحرب الحالية، وقصف مباني الجامعات". ويخبر أن الصندوق قدّم، من خلال منظّمات شريكة، قروضاً لطلاب جامعات يدرسون داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها. ويعلّق: "نقدّر قيمة التعليم بشكل كبير باعتباره شرطاً أساسياً للتنمية الاجتماعية والاقتصادية".
وتعليقاً على اقتراح استيعاب طلاب وطالبات غزة في جامعات بالوطن العربي، والذي يرى خبراء في قطاع التعليم أنه لن يكون فقط مجرد مساهمة في تعليمهم، بل استثماراً في بناء جيل متعلّم، يبدي بعض الطلاب الذين تواصلت معهم "العربي الجديد" حماسهم للفكرة، آملين أن تكون هناك فرصة في تطبيقها.
وتقول الطالبة في السنة الرابعة بكلية طب الأسنان في جامعة فلسطين بغزة، سارة رأفت السكني "بعد قصف البيت والجامعة توجّهت عائلتي إلى جنوب القطاع ثم إلى رفح التي غادرنا منها إلى موسكو. لم نستطع الدراسة منذ اندلاع الحرب، ولا نزال نبحث عن طريقة للعودة إلى مقاعد الدراسة، ونناشد أي جهة أن تمنحنا هذا الاستحقاق العلمي كي نستطيع بناء مستقبلنا من أجل تجنّب هدر فرصة التعليم، ونشكر من يساعدنا في تنفيذ هذا الأمر".
أما الطالب في السنة ثالثة بالكلية الجامعية للعلوم والتكنولوجيا: "خرجت بعد 135 يوماً من غزة، ونزحت مع عائلتي بعد قصف منزلنا، من مكان إلى آخر وصولاً إلى مصر. وأنا لا أملك إقامة ولا أعرف أي شيء عن مصيري الدراسي أو المعيشي بعدما دفعت عائلتي كل ما تملكه للخروج من غزة".
ويقترح تنفيذ عدد من الخطوات لضمان نجاح المبادرة، منها توفير فرص كي يتقدم طلاب غزة للجامعات العربية عبر برامج لتبادل الطلاب أو المنح الدراسية، وتقديم دعم مالي للطلاب المحتاجين من أجل تغطية تكاليف الدراسة والمعيشة في الجامعات العربية، إضافة إلى تنفيذ برامج للدعم النفسي والاجتماعي للطلاب المنتقلين من أجل ضمان حسن تكيّفهم مع البيئة الجديدة، وأيضاً إنشاء برامج تعليمية كثيفة لمساعدة الطلاب في تعويض المواد الدراسية التي فقدوها بسبب الحروب والانقطاع عن الدراسة