25/02/2009

البداية كانت في نادي روتاري القاهرة منذ شهرين تقريبا، حين تم توجيه سؤال لوزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في الحكومة المصريه د. طارق طارق كامل (هل تسمح الحكومة المصرية لشركات الإتصالات بالتنصت على المواطنيين؟).

ويبدو أن رد الوزير لم يكن قاطعا، بل أنه بالنسبة لعدد من أعضاء البرلمان المصري من المعارضة، كان ردا بالإيجاب، أي ان شركات الإتصالات في مصر تقوم بالتنصت على مكالمات المصريين، وليس هذا فقط، فالحكومة على علم بذلك.

الجانب الآخر من المشكلة كان تحت قبة البرلمان المصري بالأمس، حين تفجرت مشادة بين عدد من النواب في المعارضة وبين الوزير مفيد شهاب وزير الدولة للشئون القانونية والمجالس النيابية، حين طالب أحد النواب بتوضيح الحكومة حول حقيقة السماح لشركات الهواتف بالتجسس على المواطنيين، ولماذا يتم هذا السماح، ولصالح من؟. فقد تحدث النائب المعارض "سعد خليفة"، فى جلسة البرلمان الثلاثاء وقال (الدكتور طارق كامل وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات رد على سؤال لأحد الصحفيين فى نادى روتاري القاهرة حول ما إذا كانت الوزارة تسمح لشركات الاتصالات الخاصة بالتنصت على تليفونات المواطنين، ورد الوزير بالايجاب، إن هذا الإجراء مخالفا للدستور والقانون).

وقال النائب إن الوزارة تسمح بهذا التجسس لأنه لا توجد لديها إمكانية للتنصت على 40 مليون خط هاتف، وتساءل (هل يعقل أن يسمح لأحد أعضاء الحكومة أن يصرح بمثل هذا التصريح وبدون الالتزام بالقول المأثور "إذا بليتم فاستتروا"، وهل يسمح بالتجسس؟ وهل يشمل هذا التجسس الوزراء وكافة المسئولين بما فيهم رئيس مجلس الشعب؟، وتساءل النائب كيف يحمي المواطن نفسه من هذا التجسس؟).

وهنا جاء دور الوزير مفيد شهاب في الرد، والذي هاجم النائب، ووضع عدد من الأسانيد والأدله على أن وزارة الإتصالات لا يمكنها أن تسمح بمثل هذا الإجراء، وقال إنه لايمكن أن يتصور أن يحدث هذا وإذا حدث تكون مخالفة صريحة للدستور لايمكن أن تسمح بها الحكومة.

وقال شهاب إن هذا الكلام لايحتاج للتكذيب فهو يكذب نفسه ولا أتصور أن وزير الاتصالات، أو غيره من المسئولين يسمح بحدوث شىء كهذا، ولا يعقل أن يسمح الوزير أو أى وزير آخر لأى شخص بالتنصت على المواطنين، مؤكدا احترام الحكومة لحقوق كافة المواطنين.

وقال الوزير أن التجسس على تليفونات المواطنين والوزراء يشكل مخالفة صريحة للدستور، نافيا أن تكون الحكومة قامت بذلك، وأضاف أنه لا يعقل أن وزير الاتصالات أو أي وزير آخر ولا أي مواطن عادي يؤمن بحقوق الإنسان أن يوافق على هذا الأمر، وقال (صحيح أنا لم أتصل بوزير الاتصالات ولا أعرف هل قال هذا الكلام أم لا، إلا أنني أنفيه نفيا قاطعا!!!).

وعلى الرغم من حرص الوزير على التأكيد بأنه على يقين من عدم قيام أي جهة في مصر بالتنسيق مع شركات الهواتف للتجسس على مكالمات المواطنيين، مستندا على أن هذه المزاعم تكذب نفسها ولا تحتاج إلى قيام إحدى الجهات الرسمية بتكذيبها، غير أنه هو شخصيا من يحتاج إلى مراجعة تصريحاته، فقد قال في حديثه (صحيح أنا لم أتصل بوزير الاتصالات ولا أعرف هل قال هذا الكلام أم لا، إلا أنني أنفيه نفيا قاطعا).

وكان الأجدر أن يقوم بالرد على ذلك الوزير المختص والمعني بتلك التصريحات، وهو وزير الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات نفسه، خاصة وأنه كما يقال "لا يوجد دخان بلا نار"، فللموضوع أساس، ويجب أن يتم معالجته بشكل أكثر شفافية.

وبحسب جريدة الرأى ففى لقاء شارك فيه وزير الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات في نادي روتاري القاهرة، سأله مراسل إحدى الصحف المعارضة التي توجهت إلى هناك لتغطية اللقاء الذي جمعه بأعضاء نادي روتاري "كايرو رويال"، في أواخر ديسمبر 2008، حول تنصت أجهزة أمنية على المكالمات الهاتفية للمواطنيين.

فرد الوزير (نعم نسمح للأجهزة الأمنية بالتنصت على مكالمات المواطنين الشخصية سواء عبر الهاتف المحمول أو الأرضي، وهذا يحدث في العالم كله)، وأضاف الوزير أنه من غير المعقول أن يكون هذا العدد من المواطنيين مشتركا في خدمات الهواتف سواء الأرضية أو النقالة من دون أن يكون هناك ضوابط، أي أنه يقصد أنه من غير المعقول ان يكون كل هذا العدد من المواطنيين مشتركا في تلك الخدمات وتترك الحكومة والأجهزة الأمنية هذا الصيد الثمين دون أن ترصده (شركة الهواتف الأرضية متمثلة في "الشركة المصرية للإتصالات" و النقالة متمثلة في شركات فودافون وموبينيل وإتصالات).

الوزير لم يقف عند هذا الحد، فقد أكد وقتها أنه إذا لم تسمح الحكومة بالتنصت فهذا يعني أن أحدا من المستثمرين لن يأتي إلينا، وأضاف أنتم أنفسكم (الصحفيين) تسألون عندما يحدث شيء في البلد أين دور الدولة؟، ونحن نتيح التنصت لأنه لابد أن يكون هناك دور للدولة، التنصت ليس مسألة بسيطة بل تحكمها قواعد وتحتاج إلي إمكانيات تكنولوجية خاصة للقيام بهذا الدور، ورغم أن الوزارة تسمح لبعض الأجهزة الأمنية بالتنصت على المكالمات إلا أن الحكومة لا تملك القدرة على التنصت على 40 مليون مشترك في خدمة المحمول.

يذكر أن بيان صحفي صادر عن وزارة الإتصالات كان قد نشر بتاريخ 25 ديسمبر 2008 في صحيفة البديل، قال أنه لا يمكن وبصفة عامة التنصت أو تسجيل المحادثات التليفونية التي تجرى بالكامل على 40 مليون تليفون محمول و 11 مليون تليفون ثابت، ولكن هذا الأمر على فرض حصوله فإنه يكون وفقا لقواعد وإجراءات وضوابط قانونية محددة.

وأكد أن هذه الضوابط لحماية المجتمع من الجرائم المختلفه، معمول بها في نفس الإطار والقواعد والضوابط والقوانين في العالم كله، و أن المادة 64/2 من قانون تنظيم الاتصالات قد ألزمت الشركات المرخص لها بتشغيل وتقديم خدمات الاتصالات عند إقامتها لشبكاتها "أن توفر داخل هذه الشبكات جميع الإمكانات الفنية من معدات ونظم وبرامج واتصالات تسمح للجهات الأمنية ممارسة اختصاصها في التنصت أو تسجيل المحادثات التلفونية"، وهو الاختصاص الذي لابد وأن يتم وفقا لأحكام قانون الإجراءات الجنائية الذي يستلزم حصول الجهة الأمنية الراغبة في التنصت أو التسجيل بسبب ارتكاب جريمة ما على إذن بهذا التنصت أو التسجيل من المحكمة المختصة بإصداره، وذلك بعد عرض النيابة العامة عليها وذلك كله من أجل حماية حرمة الحياة الخاصة والخصوصية للمواطنين.